أمل جديد وعزيمة من حديد
فرح عمار فرح عمار

أمل جديد وعزيمة من حديد

قلنا في العدد السابق من قاسيون (1204) إنّ الطبقة العاملة منهكة لكن لا تموت «ولكنهم رغم كل ذلك استمروا ونجحوا في البقاء على قيد الحياة ليومٍ موعود يستعيدون فيه صوتهم ورزقهم وكرامتهم ومستقبل أطفالهم ووطناً يعيدون بناءه كما بنوه على مرّ العصور والتاريخ البعيد منه والقريب».

إنّ اقتباسنا لهذا المقطع ليس إلّا للتأكيد على أنّه بخلاف المزاج الذي كان يظنّ أنّ «الأفق مغلق» وبخلاف الإحساس بالعجز، الذي نتَج موضوعياً عن تراكم الأوجاع والفقر المدقع الذي لم ينتهِ بعد، لكنّ الأيام الأخيرة شهدت انتهاء حقبة عصيبة على السوريين أوقدتْ الأمل وعززت الإيمان بالخلاص والنجاة، وانتعشت آمالُ العمال والكادحين بحياةٍ أفضل، وبأنّ تلك القوة الكامنة التي عمل الناهبون والفاسدون بنفوذهم السياسي والأمني والاقتصادي على قتلها لم تمتْ بالتقادم، بل بقيت مع بقاء وجودهم واستمرارهم بالحياة، وهي التي ستجعلهم يمضون للتغيير، فالمهمّة عظيمةٌ والطريقُ شائكٌ وخطير. فالذي حدث كبير، لكن ما زال عليهم أنْ يستعيدوا صوتَهم وقواهم وحقوقهم السياسية والطبقية -بما فيها تأمينهم الصحّي والاجتماعي- وأجوراً عادلة تؤمّن الحياة الكريمة والمستقبل المثمر لأطفالهم الذين عاشوا ما عاشوه من حرمان وعوز وخوف.

الخوف من الاعتراض والبطالة

عاشت الطبقة العاملة السورية، وما زالت، أسوء الظروف؛ فلقمة عيشهم مغمَّسةٌ بالدّم بكلّ ما تعنيه الكلمة، سواء كانوا في القطاع العام أو الخاص، فسنوات من العمل الطويل والشاق لا تغطي أدنى احتياجاتهم الإنسانية. وذاقوا جميع أنواع العنف وعلى رأسها العنف الاقتصادي المركَّب والعنف السلطويّ الأمني الذي منعهم من الاعتراض أو حتى التعبير عن الألم، فتراهم يعترضون بصمت ويتهامسون بحذر، فالكلام محسوب والاعتراض ممنوع والإضراب جريمةٌ يتآمر كثيرون على عِقابهم عليها، وعليهم أنْ «يشتغلوا من تِمّ ساكت» كيلا يتعرّضوا لخسارة أعمالهم وبالتالي لتلك الليرات التي تبقيهم على قيد الحياة... وأيّ حياة؟!
إنّ الأفق الذي انفتح أمام العمّال اليوم يجب السعي للاستفادة منه من أجل الصعود المتسارع من الهوّة العميقة التي ألقيَ بهم فيها، وعليهم أنْ يناضلوا بشكلٍ مستمرٍّ وجِدّي كي لا يؤخَذوا على حين غرّة، فإذا سارت الأمور باتجاه الحل، عندها ستُقلِع الأعمال ويدخل الاستثمار الداخلي والخارجي ويعود العمل في البنى التحتية والإعمار، ولكن ستحاول رؤوس الأموال، بحكم طبيعتها موضوعياً، أنْ تبخِّسَ من أجر العمّال واستحقاقاتهم البديهية، فاليد العاملة الرخيصة مطمع أصحاب الأموال لتخفيض تكاليفهم ومضاعفة أرباحهم، لذلك على القوى العاملة والكادحين أنْ يستعدّوا منذ اليوم للمرحلة القادمة، من خلال وعيهم لحقوقهم وآلية الحصول عليها وعلى رأسها حقوق النضال السياسي والطبقي والإضراب، لذلك لا بد من تفعيل العوامل الذاتية للطبقة العاملة كي لا تبقى في غياهب العيش البائس.

حان وقت النهوض

رغم كل المصاعب والخيبات والذلّ المعيشي والحرمان واليأس، الذي عاشه عمّالنا خلال العقود الماضية بشكلٍ عام، والعقد الأخير بشكل خاص، فإنها لم تكن إلّا انهياراً مؤقتاً؛ فلطالما وَجد العمال ملاذهم ومسارهم واستطاعوا النهوض من تحت ركام أوضاعهم، وها هم اليوم أعلى وعياً وأكثر تجربة وأشد عزيمة على المضي في نضالهم اليومي، وخَبِرُوا «ما بحك جلدك إلّا ضفرك». لذلك سيحرصون ألّا يهمّشهم التاريخُ وتستضعفهم الخصوم وينهشهم الفساد والاستبداد، وسيكونون كما كانوا بناةَ الأوطان وحماة الثروات وصنّاع الحياة، وها هم يلتقطون الأملَ الجديد بعزيمة من حديد، وللحديث بقية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1205