هموم الفقراء

أما الأعياد والمناسبات فتحولت من مناسبات للمّ الشمل والفرح إلى كابوس لا يتمنى المواطنون قدومه، لما تفرضه هذه المناسبات من احتياجات لا يستطيعون تأمين الحد أدنى من تكاليفها، فبحسب بعض الاقتصاديين أن كلفة الإفطار في شهر رمضان لأسرة مكونة من خمسة أفراد في يوم واحد تبلغ ما بين 150 و200 ألف ليرة سورية في الحد الأدنى وهو ما يعني أجرة عامل لمدة شهر كامل.
وتعتقد الحكومة أنّ الزيادات على الأجور الحاصلة بين الفينة والأخرى (ستخرج الزير من البير) أي ستؤدي إلى تحسين معيشة العمال وتَحسُّن أوضاعهم، بينما واقع الحال للأسواق يؤكّد عدم كفاية تلك الزيادات لتأمين الحد الأدنى المطلوب معيشياً، فكيف ستحسن أحوال العمال مع أن نسبة كبيرة من الناس لا تصيبهم الزيادات سوى بارتفاع الأسعار، فمرور سريع على الأسواق وخاصة الألبسة ستصيب المارّ بها بالصعقة من تلك الأسعار ويبدأ بضرب أخماسه بأسداسه حول كيف سيؤمن لأطفاله صغاراً وكباراً ما يجب لبسه في العيد القادم، حيث كانت الأعياد سابقاً مناسبات سعيدة عند الصغار والكبار لتجديد ملابسهم وغيرها من الأشياء، بينما الآن أصبحت عادات مكروهة لضيق الحال.
الحكومة لديها ما يكفي من المبررات لتعلنها أمام المواطنين لتكون الشماعة التي تعلق عليها تردي أحوال الناس، وهي غير مبالية في هذا الأمر وتحاول دائماً التهرب من الاستحقاقات التي أوجبها الدستور السوري على الحكومات تجاه معيشة الشعب السوري، وخاصة فقراءه ومعدميه، بأن يعيش المواطن السوري بكرامته من حيث مستوى معيشته أو من حيث حقوقه الأخرى.
نسمع الكثير من التصريحات حول ضرورة أن يصل الدعم لمستحقيه؛ منها أن تكون هناك مبالغ مالية كتعويض عن غلاء المعيشة، ومنهم من يطالب بعدم رفع الأجور باعتبار هذا الإجراء سيزيد نسب التضخم وبالتالي سترتفع الأسعار. وهذه التصريحات جميعها تتناسى شيئاً مهماً وهو أن أحد الأسباب الأساسية لهذا الواقع المر هو انسحاب الدولة من مهمتها الأساسية وترك قوى النهب والفساد الكبيرين تستغل حاجات الناس بعملية الاستيراد والتسعير والتحكم بالكميات، وهذا يعني الحصول على أرباح خيالية سيدفعها الفقراء ومتوسطو الحال من جيوبهم ولقمة عيشهم التي بات الحصول عليها يحتاج لجهود مضنية يشارك فيها أكثر من طرف من أفراد العائلة الواحدة.