متى يستقل القرار النقابي
منذ أن ظهرت النقابات العمالية في البلاد كإطار تنظيمي وأداة يتخذها العمال للدفاع عن مصالحهم الطبقية لمواجهة من يستغلهم، كانت دائماً مصدر رعب لأرباب العمل، سواء الدولة أو القطاع الخاص، الذين كانوا وما زالوا يعملون باستمرار على التقليل من فاعليتها بالطرق الترهيبيّة أو باحتوائها واستخدامها لتبرير استغلالهم للعمال من خلال شعارات شعبويّة. وبين الترهيب والاحتواء أصبحت النقابات أداة لتلطيف التناقضات بين العمال وقوى الاستغلال، وتبرير هذا الاستغلال وخضوع العمال له على قول المثل الشعبي «مُكرَهٌ أخاك لا بطل». من المعروف أن أيّة سلطة لن تتساهل مع فرض استقلالية المنظمات النقابية المختلفة، وخاصةً العمالية أو أيّ منظمات شعبية أخرى بما فيها الجمعيات، وتعيق كل نشاط مستقل عنها أو عن حزبها الحاكم بطرق عدة، وهذا أمر يعود لطبيعتها كسلطة.
فالحكومة بسياستها الاقتصادية والاجتماعية هي فريق عمل واحد مع قوى النهب والفساد، ورغم ذلك فإنّ هذه القوى لا تعتبر الحكومة شريكاً لها أو أنهم فريق عمل واحد، رغم أن السياسات التي تنفذها الحكومة هي تلك السياسات التي تلبي مصالحهم المباشرة وغير المباشرة، وهي تصدر كافة التشريعات والقرارات التي تخدم هذه القوى. أما فيما يتعلق بالطبقة العاملة فالحكومة تعمل على عكس مصالحها وحقوقها، ولا توفر لها البيئة القانونية للدفاع عن حقوقها التي تتناقص يوماً بعد يوم من خلال زيادة سطوة قوى المال المختلفة.
لقد ساهم ضعف التنظيم النقابي، من خلال احتوائه من قبل السلطة التنفيذية، بفقدانه الشيء الكثير من استقلاليته وإمكانياته الكامنة في صفوف الطبقة العاملة في قطاعيها: الخاص والدولة. حتى بات العمال لا ينظرون إلى النقابات إلا من خلال ما تقدمه صناديق المساعدة في هذه النقابات في نهاية الخدمة للعامل، وهنا لا ننكر أهمية هذه الصناديق ودورها الهام في رعاية العمال والخدمات التي تقدمها لهم. أما حقوقهم ومطالبهم المختلفة فهم يعتبرون أن النقابات بعيدة عنها.
يقول المثل الشعبي «صديقك من صدَقَك لا من صدًقك»؛ هكذا العمال فهم دائماً مع من يصدقهم القول والفعل، ومن يتصدى للدفاع عن حقوقهم. فالمنظمة النقابية لا تستطيع فرض احترامها لدى العمال وارتباطها بهم وارتباطهم بها إلا بقدر ما تقوم به من الدفاع عن مصالحهم وحقوقهم كافة. وبمقدار ما تتعزز قوة العمال وحركتهم النقابية يتضاءل نفوذ قوى الفساد والنهب المختلفة.
إن عودة التنظيم النقابي إلى قاعدته الأساسية هي من المهام الرئيسة اليوم، وذلك بإفساح المجال للطبقة العاملة لاختيار ممثليها، الذين تتوسم فيهم حرصهم على حقوقها والدفاع عنها بعيداً عن الإملاءات المختلفة. فالتنظيم النقابي ليس مجرد هيئات نقابية ينحصر نشاطها في مجال الخدمات النقابية البسيطة من مساعدات إنسانية صحية واجتماعية وغيرها فقط، بل له كل الإمكانيات. ويمكن أن يكون له دورٌ فاعلٌ في لجم تلك السياسات الاقتصادية التي تنهجها الحكومة المحابية لقوى الفساد والنهب، المعادية بالضرورة لمصالح العمال والكادحين. وإننا نعتقد أن إغضاب هذه الحفنة من الفاسدين والناهبين لاقتصادنا الوطني أسهل بكثير من إغضاب العمال الكادحين كافة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1164