البطالة خطر على المجتمع
لا شك أن من أخطر الأمراض الاقتصادية الاجتماعية في أي مجتمع هي ظاهرة البطالة. حيث ينجم عن هذه الظاهرة الكثير من الآثار السلبية على المجتمع اقتصادية واجتماعية وسياسية، وينتج عنها الكثير من المشكلات الاجتماعية نتيجة زيادة عدد المهمشين في البلاد، تنعكس على مجمل المجتمع وفي المقدمة منها ضعف روابط الانتماء إلى الوطن لتظهر تلك الروابط ما قبل الدولة الوطنية من طائفية وقبلية وكذلك أيضاً الهجرة الجماعية وخاصة في صفوف اليد العاملة الفتية بمختلف اختصاصاتها المتنوعة من مهندسين وكوادر فنية وعمال مهرة، وغيرها.
هذا عدا عن ارتفاع معدل الجريمة بأشكالها المختلفة إضافة إلى الأمراض الاجتماعية الأخرى النفسية والصحية التي قد تصل إلى الأوبئة. وتعتبر سورية في المركز الأول في دول المنطقة في معدلات البطالة المرتفعة وخاصة خلال انفجار الأزمة التي ما زالت حتى اليوم. وقد تجاوزت معدلات البطالة خلال سنين انفجار الأزمة حسب بعض الدراسات والإحصاءات غير الحكومية 40% من قوة العمل. ويشكل العمال الذين هم على رأس عملهم أكثر من 70% في القطاع الخاص. لقد كانت سورية قبل انفجار الأزمة تعاني من ازدياد نسبة البطالة نتيجة السير بتلك السياسات الاقتصادية الليبرالية وفق تعليمات صندوق النقد والبنك الدولي التي اتبعتها الحكومات المختلفة وما زالت متبعة حتى اليوم، وهي لا تلبي مصالح المجتمع وسوق قوة العمل بل ساهمت في انتشار الفساد وتمركزه في الكثير من مواقع القرارات الاقتصادية، وانتشرت الفوضى في سوق العمل نتيجة غياب دور تلك المؤسسات الاجتماعية من ( مكاتب العمل – مكاتب التشغيل) وعدم ربط مخرجات التعليم في كافة مراحله المختلفة المتوسط والجامعي والمهني بما يتناسب مع احتياجات المجتمع لسوق العمل. وقدرت نسبة الشباب العاطلين عن العمل بحدود 35% وتجاوزت معدلات البطالة خلال سنين انفجار الأزمة الـ 40%.
ومن المعروف أن مشكلة البطالة مزمنة في الاقتصاد السوري، والبطالة في بلادنا تعني انعدام الدخل وبالتالي الفقر بشكل عام، ولكن مشكلة الفقر في البلاد ليست عند العاطلين عن العمل فقط، بل هي مشكلة فقر اجتماعي عام مرتبط بسوء توزيع الثروة الوطنية. إذاً، البطالة مشكلة وطنية بامتياز وتقع مسؤولية مكافحتها الأكبر على عاتق الحكومة. ونقصد بمسؤولية الحكومة هي أن تتبنى سياسات اقتصادية تعمل على تنمية قطاع الدولة وتوسيعه وفك القيود المكبّلة له ودعمه باستمرار، من خلال زيادة وتوسيع الاستثمارات الإنتاجية في قطاعي الزراعة والصناعة مما يساهم في زيادة معدلات النمو الاقتصادي وذلك عبر تأمين مستلزمات الإنتاج والمواد الأولية اللازمة لعمليات الإنتاج في المعامل والمصانع بما فيها القطاع الخاص الإنتاجي الذي يضمن عودة عجلة الإنتاج إلى الدوران لرفع معدلات النمو، والحد من الاستثمار الحكومي الكبير في المشاريع الخدمية من فنادق ومدن سياحية وما شابهها وتوفير رؤوس الأموال هذه لإقامة مشاريع إنتاجية توفّر فرص عمل جديدة وحقيقية. وأن تعمل على ضبط سوق العمل من خلال خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تُعنى بمستوى التطوير العلمي والتقني في كافة الفروع، ومتابعة معدل النمو السكاني وعلاقته بمعدل نمو قوة العمل لاستيعاب قوة العمل في السوق، وإعادة النظر بتوزيع الثروة أي العلاقة بين الأجور والأرباح ورفع القوة الشرائية بما يتناسب مع ارتفاعات الأسعار. أما الحركة النقابية فتتجلى مسؤوليتها في الدفاع عن حقوق هؤلاء العمال والعمل على تأمين مطالبهم وحقوقهم التشريعية والديمقراطية وذلك بالمساهمة في تامين البيئة القانونية التي تؤمّن حقوق العمال المختلفة من حماية حق العمل وأمن صناعي بما فيها الحق بالإضراب.وهذا لا يستقيم إلا بالتغير الشامل والجذري لتلك العلاقات الاقتصادية الاجتماعية السائدة اليوم التي أنتجت الفساد والأزمة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1148