مآسي العمال مع السياسات الحكومية
اديب خالد اديب خالد

مآسي العمال مع السياسات الحكومية

منذ أن بدأت الحكومات السورية تطبيق السياسات الليبرالية الاقتصادية في عام 2005 بدأت معركتها الفعلية مع الطبقة العاملة والهجوم على أصحاب الأجور والانتقاص من حقوقهم من خلال عدة طرق، أولها تخسير منشآتهم ومعاملهم التابعة للقطاع العام عبر ترك قوى الفساد تتحكم فيها حتى وصلت إلى طريق مسدود ليجري الترويج لتخصصيها بحجة خسارتها.

وقد بدأت الحكومات تمهد البيئة التشريعية المناسبة لتمرير سياساتها الاقتصادية من خلال قوانين الاستثمار وتحويل الشكل القانوني لمؤسسات القطاع العام بما يضمن خصخصتها تحت مسمى إعادة الهيكلة، وترافقت تلك السياسات مع البدء برفع الدعم ورفع أسعار المحروقات والمواد الأساسية بشكل دوري ومتصاعد من خلال خلق أزمات وهمية لتبرير رفع الأسعار والدعم تدريجياً.
وقد توجت هذه السياسات في عام 2010 عبر إصدار قانون العمل رقم 17 والذي جاء في أسباب صدوره أنها جاءت تماشياً مع التغيير في البيئة التشريعية ليساير السياسات الاقتصادية الجديدة حيث جاء القانون مجحفاً بحق الطبقة العاملة، لأنه نص على التسريح التعسفي من العمل ورفع يد القضاء ومنعه من فرض الرقابة على علاقة العمل وتركها تخضع لمبدأ سلطان الإرادة والحرية التعاقدية المزعومة، وقد ترك العامل الذي لا حول له ولا قوة لوحده بمواجهة رب العمل، وتحولت عقود العمل إلى عقود إذعان يتم فرضها على العامل، فإما أن يقبل بها كما هي أو أن يبقى عاطلاً عن العمل، وبالرغم من أن القانون نص على الحرية التعاقدية إلا أن الدولة تركت لنفسها تحديد الحد الأدنى للأجور والرواتب في القطاع الخاص الذي من المفترض أن يتم تحديده بين نقابات العمال وأرباب العمل بكل حرية ودون تدخل حكومي، وقامت أيضاً بتعطيل تطبيق عمل اللجنة الوطنية للأجور والرواتب رغم طريقة تشكيلها غير المتناسبة حيث للطبقة العاملة صوت واحد مقابل 8 أصوات لمنظمات أرباب العمل والحكومة.

ميزان توزيع الثروة

وقد اختل التوازن في توزيع الثروة الوطنية عشية انفجار الأزمة حيث وصلت إلى 75% لأصحاب الأرباح و25% لأصحاب الأجور الذين يمثلون غالبية السوريين وتفاقمت الأزمات المعيشية نتيجة لتحرير الأسعار وتراكمت الأزمات وازدادت معدلات الفقر والبطالة وانتشرت أحزمة الفقر حول المدن وتم تدمير الإنتاج الزراعي رغم حاجته للدعم بسبب مواسم الجفاف المتلاحقة، والتي أدت مع السياسات الحكومية إلى هجرة سكان الريف إلى المدن وترك أراضيهم للتصحر، وقد عانى القطاع الصناعي أيضاً بسبب فتح أبواب الاستيراد بشكل عشوائي وغير مدروس وتم رفع أسعار حوامل الطاقة وانخفضت معدلات الاستهلاك.

السير بنفس السياسات

ومع انفجار الأزمة السورية عام 2011 مازالت الحكومات السورية المتعاقبة تلقي اللوم على المؤامرة الخارجية وتغيّب قصداً الأسباب الداخلية لاندلاعها والتي ذكرناها سابقاً، وبالرغم من تغيير الدستور عام 2012 والذي من المفترض أنه تم إقراره ليعالج أسباب انفجار الأزمة خاصة المادة الثامنة الجديدة التي تنص على التعددية السياسية ومنح الطبقة العاملة العديد من الحقوق الدستورية منها حق الإضراب وضمان الدولة استقلالية النقابات وحريتها في ممارسة العمل النقابي من دون وصاية من أحد، وربط الأجور بالأسعار وفق سلم متحرك واعتماد العدالة الاجتماعية هدفاً للسياسات الاقتصادية، إلا أن الحكومات السورية رأت تطبيق سياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أهم وأولى من تطبيق الدستور، حيث ضربت به عرض الحائط، وزاد هجومها على الطبقة العاملة وتم تحميلها وزر الأزمة وزادت معدلات النهب والفساد التي فتحت أبواباً جديدة لها واستفادت من الأزمة وانشغال المواطنين بالعمليات الحربية والخوف على حياتهم ومررت أخطر خطواتها نحو الليبرالية كقانون التشاركية والتفريط بقطاع الاتصالات الخليوية المربح جداً وإقرار قانون الاستثمار بحلته الجديدة والمجحف بحق خزينة الدولة حيث يسلب العديد من الفوائد الاقتصادية من البلاد ليتم منحها للمستثمرين بحجة تشجيعهم للقدوم إلى سورية والاستمرار برفع الدعم بحجة إيصاله إلى مستحقيه، وجمدت الأجور والرواتب مع انخفاض قيمتها الشرائية وأجهزت على الإنتاج الزراعي والصناعي وربط الأجور بالإنتاج رغم عدم وجود إنتاج أصلاً، وجمدت الأموال في البنوك ومنعت من إعادة إقلاع معامل القطاع العام، وقد استغلت الحكومات السابقة والحالية الأزمة السورية لتعلق عليها فشل سياساتها مرجعة فشلها الاقتصادي إلى العقوبات والحصار، فكيف ستفوّت قوى الفساد على نفسها هذه الأزمة لتجعلها قميص عثمان تعلق عليها فسادها ونهبها للسوريين.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1147