استفحال الفقر

استفحال الفقر

استفحال وازدياد الفقر في المجتمع يعتبر إدانة سياسية وأخلاقية للسياسات الاقتصادية الاجتماعية السائدة في البلاد التي تعمل الحكومة على تنفيذها، ولا بد من مواجهة هذه السياسات، حيث لم تشهد البلاد نهباً للثروة الوطنية بهذا الحجم الكبير، منذ أن حصلت البلاد على استقلالها عن المستعمر الفرنسي، إذ أصبح أكثر من 90% من المواطنين في البلاد يكابدون العيش المزري وبالأخص منهم العاملون بأجر.

أصبحت ظاهرة الفقر حقيقة راسخة ومستشرية. وخاصة بعد الارتفاع الكبير للأسعار غير المسبوق الذي قامت به الحكومة مؤخراً. وبهذا لا نقول جديداً بأن الفقر يولّد شعوراً بعدم الأمان والمهانة، وعدم الاستقرار وضعف القدرة على التفكير أو التخطيط، والجنوح باتجاه الفوضى العارمة والجريمة أو الهجرة من أجل البقاء.
الفقر سبب مباشر لاعتلال الصحة، وانخفاض القدرة على العمل، وانخفاض الإنتاجية، كذلك تدني متوسط العمر، والتعليم، ونقص المهارات نتيجة تهجيرها، إنّ الفقر ليس من صنع الفقراء لكنه نتيجة لتلك السياسات الاقتصادية والاجتماعية الحالية عديمة الجدوى التي لا تعبّر عن مصالح المجتمع، بل هي تصب في مصالح قوى النهب والفساد من أمراء الحرب وغيرهم. وبات الناس يشعرون وخاصة الشباب أنهم بلا مستقبل. ولا سبيل للقضاء على الفقر إلا بالقضاء على قوى النهب والفساد.
اتباع تلك السياسات الاقتصادية الاجتماعية التي تستطيع خلق فرص للعمل، وتوفير العمل اللائق والدائم لكل طالبي العمل في سوق العمل.
إن تأمين فرص العمل هو السبيل للقضاء على الفقر ويتم من خلال معرفة سوق العمل والداخلين إليه سنوياً، وإيجاد الحلول لمشكلات سوق العمل، بشكل يتيح لطالبي العمل حياة لائقة وكريمة. وتعتبر مشكلة الفقر أحد التحديات التي تواجه القوى السياسية والمنظمات النقابية التي تدّعي الدفاع عن العدالة الاجتماعية.
وتقع على عاتق أطراف الإنتاج الثلاثة الحكومات، وأصحاب العمل، والنقابات ممثلي العمال، مسؤولية الخلاص من الفقر. فهل تقوم الدولة اليوم بدور الراعي القيّم على السياسات الاقتصادية وسبل النمو بإقامة الاستثمارات الإنتاجية، وتوزيع الثروة الوطنية بشكل عادل، وتوفير السلع الضرورية، وتأمين الخدمات العامة، وتأمين بيئة العمل الضرورية، وضمان الحريات النقابية، بأن تأخذ منظمات العمال مكانها الصحيح الذي يتيح لها التعبير عن نفسها. فالعمال هم المحرك الأساسي في عملية الإنتاج. ويقوم القطاع الخاص بدوره بالمساهمة أيضاً في خلق الوظائف، والاستثمار، وإقامة المنشآت. في حال قامت الدولة بتوفير تلك البيئة الضرورية له لعملية الانتاج الحقيقي سواء في الزراعة أو الصناعة. أما العمال فيقومون بدورهم كمنتجين حقيقيين للثروة، في حال توفرت لهم تلك الأجور الحقيقية التي تلبي متطلبات حياتهم وحياة أسرهم المعيشية.
أما ممثلو العمال النقابيون فيتمثل دورهم في الدفاع عن الحقوق العمالية والقضايا المتعلقة بالعمل من أجر وأمن صناعي ووقايتهم من خلال الصحة والسلامة المهنية، والحقوق الديمقراطية والتشريعية من ضمان اجتماعي وقانون عمل يضمن حقوقهم، وتوسيع تنظيمهم النقابي، وتحقيق مبدأ المفاوضات الجماعية مع الحكومة، وكذلك مع أرباب العمل بصفتهم الاثنين أصحاب عمل، ويجب على النقابات أن تدرك مدى التأثير السلبي لهذه السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تمضي بها الحكومة على المنشآت الصناعية المختلفة في قطاع الدولة والقطاع الخاص.
إن المفاوضات الجماعية التي تخوضها النقابات من أجل تحسين شروط وظروف العمل وأجر يلبي متطلبات الحياة المعيشية للعمال هي عنصر أساسي في عملية تحسين أداء سوق العمل ومن ثم نوعية النمو والحد من البطالة بكل أشكالها، ووضع الإستراتيجيات المناسبة للعمل اللائق الذي يحد من الفقر.
يحتاج الفقراء إلى التعبير عن أنفسهم لكي يُعتَرف بحقوقهم وتحترم، وكي تُلَبّى مطالبهم ويحتاجون أيضاً إلى القوانين الضرورية التي تنفذ وتعمل من أجل صالحهم وليس العكس، وبدون هذه الحقوق لن يتمكن الفقراء من الإفلات من براثن الفقر، وبالتالي يحتاجون إلى قوى سياسية حقيقة تعدل ميزان القوة إضافة إلى نقابات تتمتع باستقلالية قراراتها التي تصب في مصلحة كافة العاملين بأجر، وهذا لا مناص منه للقضاء على الفقر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1137