أجور بائسة
إذا كان من نتائج الأزمة السورية انخفاض قيمة العملة وتدني سعر الصرف فإن تجميد الرواتب والأجور عند هذا الحد الأدنى سياسة اقتصادية مقصودة للحكومة السورية ولم تضع الحكومة أية سياسة هدفها رفع الرواتب أو تحسين معيشة المواطن طيلة اثني عشر عاماً من عمر الأزمة السورية وبدل أن تقوم على الأقل بتقديم مساعدات عينية للعمال إذا كانت عاجزة عن رفع الأجور قامت بعكس ذلك وبدأت برفع الدعم عنهم بحجة تخفيض عجز الميزانية مما انعكس بارتفاع الأسعار أكثر فأكثر على الطبقة العاملة.
وبالرغم من ذلك لا ترى الحكومة أية مشكلة في الرواتب والأجور بل تعتبرها في نظرها ميزة تنافسية لمناخ الاستثمار في البلاد حسب زعمها، ودائماً تستجيب الحكومة لمطالب التجار لرفع أسعارهم خوفاً من خسارتهم مبررة ذلك بظروف العمل الصعبة وارتفاع التكاليف التي تواجههم بينما كل نداءات العمال لرفع أجورهم تواجه بمقولة عليكم الصمود ولا موارد لدينا، وكأن العمال يعيشون في بلد آخر وليست نفس الظروف فرضت عليهم ولم تمر عليهم الأزمة كغيرهم ولم ترتفع عليهم تكاليف المعيشة، مما أدى إلى خسارتنا لقوة العمل وهجرة الأدمغة ونزيف الشباب المستمر.
في نظر علم الاقتصاد والسياسة هذا نهب قانوني تتعرض له الطبقة العاملة وحرمان من الثروة الوطنية وسياسة تجويع في نظر العمال، فهذه الأجور تعرضهم وعائلاتهم للجوع وتقضي على كل حلم لهم بحياة كريمة ولو بالحد الأدنى من مستوى المعيشة، فماذا تفعل أجور تتراوح بين 200 و500 ألف ليرة في حين الحد الأدنى لمستوى المعيشة يبلغ 3 ملايين ليرة سورية تقريباً؟
نقلاً عن أحد العمال الذي تبلغ أجرته كل أسبوع 50 أو 60 ألفاً في أحسن الأحوال قال إنه يعيش في أغلب الأوقات على البرغل والمجدرة، ولولا المساعدات التي يحصل عليها من الجمعيات والمنظمات الدولية لما استطاع تحضيرها (تلك التي تعتبر أرخص طبخة لدى السوريين) في منزله، فأية طبخة محرزة على حد تعبيره تحتاج لـ25 أو 30 ألف ليرة سورية وهو ما يعني نصف راتبه الشهري إذا قرر تحضيرها كل أسبوع فقط، ناهيك عن دفع أجرة منزله الشهرية، في ظل أجرٍ يتقاضاه لا يكفيه لدفع أجرة المواصلات للذهاب والإياب إلى عمله.
وهذا وضع الرواتب في القطاع الخاص فما بالك بالأجور في القطاع العام فهذا العامل البسيط الذي يتقاضى 200 ألف أجراً شهرياً مع قلته يظل معاشه أكبر من أجر الموظف ذي الدرجة الأولى الحاصل على إجازة جامعية حيث لا يتجاوز راتب الأخير مئة ألف ليرة سورية، وإذا كان الأجر في القطاع الخاص يؤمن «أكلة مجدرة» أسبوعياً فالأجر في القطاع العام لا يكفي ثمن خبز إذا اقتصر عليه طعام الموظف على مدار الشهر.
منذ توقف العمليات العسكرية والحربية في البلاد طغى العامل الاقتصادي وخاصة الأجور على السطح وبات هو السبب الرئيسي في هجرة آلاف الشباب من عمال مهرة وحرفيين وأصحاب شهادات جامعية نحو الخارج بعد فقدانهم الأمل في تحسين وضعهم الاقتصادي وانسداد الأفق أمام أي حل للأزمة الاقتصادية وهذه ثروة وطنية هامة فقدتها البلاد ولن تعوض، حيث فرطت بها الحكومة وتستمر بالتفريط بها عبر سياستها المطبقة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1077