لا تهاجم.. لا توصِف..لا تنتقد
انعقاد المجلس العام للنقابات لا يختلف من حيث الشكل عن سابقيه من الاجتماعات التي تحضرها الحكومة وغير الحكومة فالقضايا نفسها تتكرر والأجوبة التي تبرر الحكومة بها دفاعاً عن موقفها تجاه حقوق ومصالح الطبقة العاملة التي تغيب شيئاً فشيئاً نفسها، والوعود التي تقطع من قبلها نفسها، ولا شيء جديداً يحصده أعضاء المجلس سوى ما ذكرنا ويعود الأعضاء أدراجهم من حيث أتوا وهم يحصدون خيبة وراء خيبة.
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن مع تكرار الحالات التي ذكرناها هو لماذا يعيش المجلس حالة اغتراب عن الواقع العمّالي، وهو أعلى قيادة نقابية من المفترض أنها صاحبة القرار بما يتعلق بشؤون الطبقة العاملة وأحوالها وكل ما يتعلق بمصالحها وحقوقها؟.
يتعلق الوضع الحالي للحركة النقابية وعلاقتها بالطبقة العاملة بأمور عدة سابقة وتسود الآن، وقد تبقى سائدة إلى حين نضوج الظروف العامة للبلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والخاصة للطبقة العاملة من حيث استقلالية قرارها وقدرتها بالدفاع عن مصالحها.
الوضع السائد في الحركة النقابية والطبقة العاملة ليس وليد اللحظة بل هو تراكمي منذ عقود، تم العمل من خلالها على ترسيخ الهيمنة والتحكم عبر أشكال مختلفة من الخطوات التي ترافقها شعارات في مضمونها تعبّر عن مصالح العمّال، ولكن في تطبيقها على أرض الواقع تلامس مصالح الطبقة المهيمنة في كل فترة حيث تتعزز مصالح الطبقة المهيمنة ومعها يجري الانتقاص التدريجي لمصالح وحقوق العمال.
حتى يتم النجاح في الهيمنة والتحكم لابدّ من أدوات تجعل ذلك ممكناً والأدوات التي استخدمت حتى لا تتمكن الحركة العمّالية من اختراقها وتذهب نحو الاستقلالية التامّة في ما يتعلق بمصالحها قانون يلبّي ذلك التوجه وقانون التنظيم النقابي الذي جاء تطويراً لقانون 1968 الذي كان يعتمد على التعيين، وبعدها القانون الجديد الذي يعتمد على الانتخابات المقيّدة بالقائمة المغلقة التي حددها العرف السائد عند أولي الأمر المرتبط بنظام الحزب الواحد الذي لا يجوز تجاوزه أو خرقه، ونظام القائمة المغلقة تحدد الإطار الذي ستجري الانتخابات على أساسها والذي يعني صعود قيادات نقابية يلبّون التوجه المطلوب من الحركة النقابية.
إن هذا العمل قد حرم الطبقة العاملة من كوادر تستطيع الدفاع عن المصالح والحقوق العمّالية وبهذا الإطار هناك العديد من التجارب التي خاضها العمال وتمكنوا من كسر تلك الحواجز الموضوعة أمامهم لانتخاب من يرونه مناسباً في حمل رسالتهم ولكن هذا لم يكن سائداً، بل كان عرضياً بسبب الضغط الديمقراطي العالي الذي كان يمارس على العمّال أثناء الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات العمالية لتكون النتائج كما رسم لها، كوادر نقابية مطيعة تستجيب لكل الأوامر حتى لو كانت ضد قناعاتها.
كل ما تقدم يمكن ملاحظته أثناء انعقاد المؤتمرات النقابية واجتماعات المجلس العام حيث يتم الترتيب لما سيقوله الأعضاء أثناء وجود الحكومة، ومن يخرج عن النص المعتمد يكون مصيره التوبيخ باعتباره خالف التوجيهات المسبقة التي تنص على عدم انتقاد الحكومة أو توصيفها بصفات لا تليق بمقامها أو الهجوم عليها بأي شكل من الأشكال التي قد تجرح مشاعرها وتجعلها متوترة وتجعل استجابتها لما يطرحه النقابيون في حكم التسويف والتأجيل ويؤثر على الشراكة العميقة بين النقابات والحكومة ويجعلها مشكوكاً بها.
إذا كان التوجيه بكل اللاءات السابقة فلماذا الاجتماع أصلاً وما هو دور النقابيين في تبيان أحوال العمال وحقوقهم هل وجودهم لقول نعم فقط لكل ما تقوله الحكومة؟
إن المجلس العام من المفترض أن تكون له استقلاليته وقراره المستقل وهذا مرتبط بمستوى الحريات الديمقراطية والنقابية التي تبدأ من الأسفل إلى الأعلى وهذه بحال انتزعها ستكون هناك حركة نقابية وعمالية تلتف حولها الطبقة العاملة ويكون العمال ومصالحهم قاعدة الارتكاز في اتخاذ المواقف والطرق التي ستدافع بها عن الحقوق والمصالح.
إن عقد الاجتماعات العامة بوجود أطراف مختلفة أمر يصادر دور تلك الهيئات النقابية وماذا يمنع لو عقدت تلك الاجتماعات بدون أحد من خارج النقابات أليس هذا أجدى وتأكيداً على عدم التدخل بشؤون الحركة النقابية؟ خاصة وأن المادة الثامنة من الدستور القديم قد ألغيت ولكنّ العمل بمضمونها سارٍ وهذا ما يعيق النضال العمالي في الوصول إلى أهدافه في الدفاع عن كل الحقوق العمالية السياسية والاقتصادية والحريات الديمقراطية والنقابية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1033