الحركة العمّالية سنوات 1925-1927 /1/
إيفان علي إيفان علي

الحركة العمّالية سنوات 1925-1927 /1/

نشأت أولى النقابات العمالية بالتوازي مع تصاعد النضال الوطني ضد الاستعمار في سورية ولبنان، مثل: نقابة عمال زحلة 1923 ونقابة عمال الدخان في بكفيا 1924 ونقابة عمال نسيج التريكو في دمشق 1925 ونقابة عمال المطابع 1928.

 

لجنة تنظيم النقابات

في أيلول 1925 عقد اجتماع في بيروت نتج عنه تأسيس لجنة لتنظيم النقابات في سورية ولبنان بعد عدة أسابيع.

وتشكلت هيئة تأسيسية لتنظيم العمال في النقابات اسمها «لجنة تنظيم النقابات» قوامها فؤاد الشمالي سكرتير نقابة عمال التبغ، برجيس أبو صالح «نجار»، فريد طعمة «عامل تبغ»، جورج عيّان «حلاق»، نسيم الشمالي «طباخ»، ميكايل كشيشيان «عامل أحذية»، كيفورك كراخانيان «نجّار» وغيرهم.

واتصل نسيم الشمالي بصاحب ومدير جريدة «العمال» سجيع الأسمر وعقد معه اتفاقاً على أن يكون مسؤولاً عن التحرير، وتحتفظ الجريدة بمضمون نقابي، ويكتب هو الافتتاحية، ولكن في الواقع كان فؤاد الشمالي هو الذي يحرر الافتتاحية، وقد صدر العدد الأول، وفيه نداء اللجنة النقابية، التي تأسست حديثاً، موجَّهاً إلى العمال، شارحاً مطالبهم العمالية، داعياً إياهم إلى توحيد الصفوف، وللانتظام داخل النقابات، وتعبئة القوى لخوض النضالات لتحقيق مطالبهم.

الإضرابات العمّالية أثناء الثورة

إن اضطهاد المستعمرين الفرنسيين للحركة الوطنية لم يؤدّ إلى ضعف تطور الحركة العمالية في سورية، بل على العكس، فإن الاضطهاد وسياسة القمع التي ازدادت أثناء الثورة السورية قوّت من شكيمة الحركة العمالية.

ومما لا شك فيه أن لهيب الثورة التي اشتعلت في سورية، كان لها تأثير على تطور الإضرابات العمالية في عام 1926، وتغذيتها بطاقة نضالية عظيمة، كما أن هذه الإضرابات أثرت بدورها في تضعضع موقف المحتل الفرنسي الذي اضطر في النهاية إلى القبول ببعض المطالب.

ويخطئ من يظن أن سنوات النضال الوطني المسلح 1925- 1927 لم تكن إلّا سنوات نضال وطني لا أثر فيه للنضال الاجتماعي. ويشهد الواقع على احتدام النضال الطبقي، لاسيما في المناطق التي لم تمتد إليها الثورة آنذاك في بيروت وحلب. فالنضال الاجتماعي بلغ إحدى ذراه مع احتدام حدة النضال الوطني سنة 1926.

ومما لا شك فيه، أن النهوض الثوري الذي رافق الثورة السورية، أسهم بالرغم من حملات التأديب وحجز حرية الصحافة والنفي، في دفع موجة الإضراب واتساعها. كما أن سوء الوضع الاقتصادي الذي أدى إلى ضعف القيمة الشرائية المرافقة للأجور الزهيدة، والمنافسة الأجنبية التي حدّت أو بالأصح منعت النمو الطبيعي للتطور الصناعي، وأدت بالتالي إلى ازدياد عدد العاطلين عن العمل، لعبت دوراً هاماً في بدء الإضرابات العمالية عام 1926.

استطاعت حركة الإضرابات أثناء فترة الثورة شلّ قوى الإدارة الفرنسية تماماً في الوقت الذي احتاجت فيه تطورات الثورة إلى الاهتمام والطاقة القصوى.

وكانت الجريدة الأسبوعية المكرسة للدفاع عن مصالح العمال الاقتصادية هي المنظم الفكري لحركة الإضرابات. وبدءاً من تشرين الأول 1925 ولغاية آب 1926 لم يحدث أيّ نزاع بين العمال وأرباب العمل دون المشاركة المنظمة من الصحيفة، التي استفادت من كل حجة للدعاية إلى ضرورة التنظيم والنضال من أجل تحسين الوضع الاقتصادي للعمال. ونظراً للصعوبات الاستثنائية من قبل الرقابة وبهدف المحافظة على صدور الجريدة ولو شكلياً، بصفتها معبرة عن طبيعة مهنية لا أكثر، فقد اضطرت إلى التلاعب، غير أنها كانت دائماً تربط النضال الاقتصادي بالسياسي. كما تعتبر اللجنة التنظيمية الخاصة بتكوين اتحادات عمالية مهنية «لجنة تنظيم النقابات»، هي المركز التنظيمي الآخر للحركة المهنية.

بدأ أول إضراب في بيروت في شهر تشرين الثاني 1925 في معمل الأخشاب. ولم يكن هذا الإضراب كبيراً من حيث حجمه، حيث اشترك فيه ما لا يزيد عن 200 شخص، غير أنه بدأ في الوقت المناسب، حيث تطابق مع وقت هجوم الثوار على بيروت. واعتقلت الشرطة أعضاء المظاهرة المعروفين من اللجنة التنظيمية، وقدمتهم للمحكمة، موجهة إليهم تهمة القيام «بمؤامرة بلشفية» في بيروت.

ولكن هذه الاعتقالات لم تقف دون الحركة العمالية. وفي الوقت نفسه ومع احتدام العمليات الحربية في سورية، ونضال العناصر الراديكالية في الحركة الوطنية ضد المفاوضات التي يجريها دو جوفنيل مع العناصر الانتهازية في الحركة، جرى إضراب في ورشات سكك الحديد في حلب، وإضراب لعمال النسيج في حلب وحمص.

عام الإضرابات 1926

مع اشتداد الأعمال العسكرية من جديد حول دمشق، واحتدام الوضع السياسي وتشكيل فصائل المقاومة (البارتيزان) في لبنان ذاتها (البقاع وطرابلس)، جرت في كل سورية في صيف عام 1926 (أيار- آب) موجة واسعة من الإضرابات العمالية. مثل: إضراب مستخدمي البلديات وعمال النسيج في دمشق، عمال النسيج في حماة، عمال التبغ في لبنان، إضراب عمال الترامواي والكهرباء والطباعة والمستخدمين في ميناء بيروت. وغيرها من الإضرابات.

خلال هذه الإضرابات حاولت الشرطة والبرجوازية المحلية إلى جانب الإرهاب والاضطهاد (ترافق ذلك مع حملة اعتقالات واسعة خلال إضراب عمال الترامواي في بيروت بصورة خاصة) تفتيت الحركة العمالية بتنازلات واضحة: شكلت لجان التوفيق من ممثلين للعمال وأرباب العمل برئاسة مدير الشرطة، أو رئيس لجنة الإدارة في المدينة، وجرى ضغط على أرباب العمل لتقديم تنازلات. غير أن التطور اللاحق للحركة الإضرابية قطع أعمال لجان التوفيق هذه، وأصبح من النادر فيما بعد أن تلجأ الشرطة إلى مثل هذه التدابير.

وجرت موجة جديدة من الإضرابات العمالية في نهاية عام 1926 وبداية عام 1927: إضرابات عمال النسيج في حلب والسائقين (عدة ألوف من الناس) في لبنان وعمال التبغ في لبنان، ومع الاضطرابات الأخيرة في حلب، جرت مظاهرة كبيرة من عمال التبغ والتجار الصغار ضد مؤسسة الريجي (مؤسسة احتكار التبغ الفرنسية) التي أثارت كراهية الناس ضدها.

على أساس عدم الرضا العام على النظام السياسي، وتلبية للنداءات، وجزئياً، تضامن مع الإضرابات العمالية الاقتصادية، وفي الوقت نفسه، جرت إضرابات ذات طبيعة خاصة، وهي إضرابات المحامين والصحفيين.

فتحت شعار الاعتراض على إجراء المحاكمات باللغة الفرنسية، توقف المحامون والقضاة عن العمل في المحاكم، وتوقف عمل القضاء لأسابيع عديدة. كما أوقف الصحافيون إصدار الصحف لفترة من الزمن تحت شعار الاعتراض على المراقبة المفروضة عليهم من جانب الاستعمار.

 

 

المراجع:

د. عبد الله حنا، الحركة العمالية في سورية ولبنان 1900-1945، ص 327-344

من تجربة الثورة السورية مجلة الشرق الثوري (ريفوليوتسييوني فاستوك) 1928، مجلة جمعية البحث العلمي التابعة للجامعة الشيوعية لشغيلة الشرق المسماة باسم ي. ف. ستالين. العدد 3، عام 1928. دراسات اشتراكية عدد 33 حزيران 1984.

آرتين مادويان، حياة على المتراس، دار الفارابي 1984، ص 105-106.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
1013
آخر تعديل على الإثنين, 12 نيسان/أبريل 2021 12:59