الاصطفاف المطلوب وطنياً..
نؤكد مراراً على الدور المهم الذي من الممكن أن تساهم فيه الحركة النقابية في حياة البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إذا ما كانت الظروف الداخلية والخارجية مواتيه لأن تلعب الدور المطلوب منها سياسياً وعمالياً.
الموقف مبني ليس على أساس إيديولوجي فقط، بل على تجربة تاريخه مجيده للطبقة العاملة السورية وحركتها النقابية، استطاعت من خلالها أن تكون في مقدمة القوى الوطنية الفاعلة والمؤثرة في حياة البلاد السياسية والاقتصادية، والأحداث السياسية الكبرى التي مرت بها البلاد تشهد على ذلك، ابتداء من المشاركة في النضال ضد الاستعمار الفرنسي، ورفض المشاريع الاستعمارية «مشروع حلف بغداد، والنقطة الرابعة، والهلال الخصيب»، والدفاع عن الإنتاج الوطني، وفي فترات الحصار الاقتصادي السابقة، حيث تم خفض آثار الحصار إلى الحدود الدنيا، لأن الدولة كانت حاضرة بمؤسساتها المختلفة مما كان له الأثر الإيجابي في الخروج من دائرة الحصار المفروض بأقل الخسائر على اقتصادنا الوطني وعلى شعبنا، من حيث تأمين المواد الأساسية الضرورية للحياة اليومية.
اليوم، نرى الآثار الكارثية للحصار الاقتصادي الجائر على المستوى المعيشي لشعبنا الذي وصل إلى حدود خطيرة تهدد الناس بالموت جوعاً، إضافةً لدور قوى الفساد الكبير المكمل للحصار الخارجي، وأيضاً دفعهم لفاتورة الحرب، مما يعني: أن القوى الوطنية بما فيها الحركة النقابية تتحمل مسؤولية استثنائية في الظروف الاستثنائية التي يمر بها وطننا، من حيث العمل على تأمين مستلزمات صمود الشعب العنيد من أجل أن يعيش بكرامته، وفي مقدمة ذلك: مواجهة قوى الفساد الكبير التي تلتقي مصالحها بمصالح القوى الخارجية التي تعمل على استمرار الأزمة، وتهيئة الظروف السياسية للقبول بالأمر الواقع، الذي يحاول العدو الخارجي والداخلي تكريسها من خلال القول: إن الصراع هو صراع طائفي وقومي، بينما واقع الحال يقول: إن الصراع هو طبقي بامتياز وقوده الفقراء الذين يموتون من أجل أن تقتسم قوى الفساد الكبير في الداخل والخارج الكعكة، كلّ حسب موقعه في ميزان القوى المتشكل في سياق الأزمة.
أزمة الوباء العالمي التي نعيشها كشفت بشكل مفضوح وجليّ ليس فقط آثار الوباء واحتمالاته الخطرة على عموم الفقراء، بل كشفت زيف السياسات الاقتصادية والإجراءات التي جعلت الشعب الفقير أكثر فقراً، حيث عمّقت عنده الحرمان والحاجة بسبب ترك السوق على هواه يسرح ويمرح كما يشاء في رفع الأسعار وزيادتها بشكل لحظي، مع العلم بأن الحكومة قد صدعت رؤوسنا ببلاغاتها عن ضبط الأسعار، وتُصدر نشراتها السعرية الخُلّبية التي لا يلتزم بها أصغر البائعين، ليبقى الناس حائرين في السبيل والطريقة التي سيؤمنون بها حاجاتهم، وخاصة العمال الذين ليست لهم أجور ثابتة ويأكلون من عمل يومهم، وإن غاب العمل غاب معه الأكل، مع أن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بدأت بإصدار قوائم بأسماء العمال المحتاجين للمساعدة، كما وضعت شروطها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ولكن هذا الإجراء جاء متأخراً ولن يجدي نفعاً من حيث نتائجه الفعلية، ولن يصيب إلا القلة القليلة من العمال ولمرة واحده، لأن معظم العمال المستهدفين بالمساعدة موزعون في أرجاء المعمورة في العشوائيات والأرياف وأطراف المدن، فكيف السبيل لمعرفتهم وهم غير منظمين أصلاً لا في النقابات ولا منضوين تحت مظلة التأمينات الاجتماعية؟ وبالتالي: استمرار حالهم على ما هو من فقر وعوز، وكل الإجراءات المعلن عنها ستتبخر كغيرها من الإجراءات التي تُتخذ على الورق وعلى الورق فقط.
إن تطورات الأزمة بمختلف أشكالها وألوانها الوطنية والوبائية تتطلب إعادة اصطفاف القوى الوطنية لجهة تأمين الشروط السياسية لحل الأزمة على أساس القرار2254، ولجهة الدفاع عن لقمة الشعب وحقوقه في الحرية والكرامة، التي هي عامل حاسم في الصمود والمقاومة على طريق هزيمة المشروع الإمبريالي الرجعي الذي أدواته في الداخل قوى الفساد الكبير.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 968