أنقذوا العمال من التفريط القسري بمنازلهم
ما زالت الغالبية العظمى من الطبقة العاملة التي هُجًرت قسراً من مناطق سكنها في الريف الدمشقي عاجزةً عن العودة إلى بيوتها وأحيائها التي شهدت أعمالاً عسكرية شديدة، ومحت بويلاتها ملامح الحياة فيها، لتبقى أحلام العودة معلقة لأجل غير مسمى لا يعلمه إلا الله وأولي الأمر منا.
يتصدر ملف عودة العمال إلى مناطق سكنهم التي هُجًروا عنها قسراً قائمة الملفات الغائبة عن الطرح النقابي منذ سنين خلت، حيث اكتفت المنظمة بالحديث العام في ملف الإعمار، بينما تذاكت الحكومة علينا باختصار مهامها وتخفيض مسؤولياتها لحدود إعادة الخدمات العامة من فتح الطرق وتأهيل البنى التحتية، والتي بدأت فعلاً بوتيرة خجولة ومتفاوتة من منطقة لأخرى، ولكنها للآن لم تلتفت لأعمال الترميم اللأزمة لمنازل المهجرين وغالبيتهم من العمال والكادحين، وهم الذين ما زالوا يقبعون تحت ضغط ظروف التهجير القاسية من غلاء أجور المنازل ومعاناة السكن المشترك ومراكز الإيواء ومخيمات اللجوء، منتظرين الحلول الحقيقية من الفريق الحكومي ومؤسساته من جهة، وتحريك هذا الملف من قبل التنظيم النقابي من جهة أخرى، ولكن إلى الآن، لا البئر طاف ولا أنزلنا الدلو.
الصمت الحكومي في خدمة التجار
بعيداً عن التعقيد الحاصل والتجاذب المستمر بملف إعادة الإعمار والمرتبط موضوعياً بمجمل الواقع السياسي الدولي والإقليمي والداخلي، لا بد من إيجاد الحلول الإسعافية والواقعية التي تؤمن الحد الأدنى من عوامل وأدوات ترميم المنازل المهدمة وبالسرعة المطلوبة، فحل هذا الملف ولو بشكل جزئي يفادينا استمرار الخسائر الكبرى المتمثلة بخسارة العقار بحد ذاته، كون العجز الذي أصاب أصحاب العقارات عن الترميم أو إعادة البناء بالتلازم مع عدم رؤيتهم لحلول قريبة جعلت الكثيرين يلجؤون لبيع عقاراتهم المهدمة، أو المتضررة لحفنة من تجار العقارات المرتبطين بشكل أو بآخر بتجار الأزمة الكبار، الذين تراكمت ثرواتهم ورؤوس أموالهم وعينهم على الاستثمار في أكثر القطاعات الواعدة في البلاد وهو القطاع الإنشائي، يساعدهم في ذلك استمرار الحكومة بمغمغمة هذا الملف وعدم الحديث عنه ولا حتى بإطلاق موعد مؤجل له، والذي من شانه أن يحد بنسبة كبيرة من حالات التخلي القسري عن البيوت والعقارات، والتي هي بالمحصلة ليست إلا جني العمر وعرق العمل والشقاء لسنين طويلة.
عصفوران بحجر واحد
تختلف الآراء حول معالجات هذا الملف بين العمال والمهتمين بالشؤون العمالية والحركة النقابية، إلّا أن الجميع متفق على ضرورة الحل، ومصدره، فكل تلك الآراء تضع الملف بيد الحكومة عبر تمويلها للترميم وبيد التنظيم النقابي عبر العمل على حلول إبداعية تساعد في إنجاز هذا الملف، ومن تلك الآراء التي انطلقت من حقيقة تكدس الأموال في المصارف العامة، بأن تقوم الحكومة بفتح باب قروض الترميم الميسرة بآجال طويلة وبدون أية فوائد، على أن يحسم من القروض المسحوبة قيمة التعويض الحكومي المستحق بذمة الحكومة عند توفر الموارد مع بدء عملية إعادة الإعمار وانطلاق الاستثمار وتحرك الاقتصاد، وبذلك تتحقق عدة أهداف بآن معاً أولها: توفر المورد اللازم للمرمم وتخلصه بشكل نهائي من عبء دفع أجرة البيت وتحول تلك المبالغ لسداد القرض المسحوب، أي: أن المال المدفوع يعود للخزينة العامة بدل أن يقبع في خزائن أصحاب البيوت المؤجرة هذا من جانب، ومن جانب آخر يزداد الطلب على عمال البناء بكافة الاختصاصات وتتراجع البطالة العامة والموسمية لأدنى مستوياتها، مع إمكانية استقطاب إضافي لليد العاملة المتسربة للقطاعات الخدمية أو للبلاد المجاورة، وهذا أضعف الإيمان، أما إن تمنّعت الحكومة عن هكذا إجراء فلا بد من ضغط التنظيم النقابي باتجاه حل هذا الملف الطبقي بامتياز.
ما حكّ جلدك غير ظفرك
يذهب البعض في رؤيتهم للمضي بهذا الملف إلى ضرورة تدخل التنظيم النقابي ومن بابه العريض، عبر إقامة مصرف عمالي وبرأس مال كاف لمسك ملفات كبيرة، بحيث يمول هذه القروض للطبقة العاملة مستفيداً من حجم استثماراته وإمكانية تعاطيه وبضمانات عالية مع المصرف المركزي والتأمينات الاجتماعية، وربما يتهم هذا الرأي بعدم الواقعية لضعف الإمكانات المادية للتنظيم النقابي، إلّا أن هذا الاتهام وإن كان صائباً بنسبة ما، فإنه لا ينفي ضرورة دراسته ووضعه كهدف يستحق العمل عليه والمضي فيه ريثما تصحو الحكومة من سباتها الممارس على الطبقة العاملة وسائر الكادحين والفقراء، ففي مثل هذه الظروف الكارثية الكبرى والمعيشية القاتلة وفي ظل احتكار النخبة المالية لأظفار الحكومة لا بد من اللجوء لمقولة لا يحك جلدك إلا ظفرك.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 904