الطبقة العاملة.. قوانين متعددة والفقر مستمر
عادل ياسين عادل ياسين

الطبقة العاملة.. قوانين متعددة والفقر مستمر

أي قانون، أو تشريع يصدر يكون تعبيراً عن محصلة القوى الفاعلة على الأرض، وقدرتها في التعبير عن مصالحها وفرضها، حيث يتضمنها القانون المراد إصداره، للعمل وفقه.

تُخضع الطبقة المهيمنة اقتصادياً، وسياسياً الطبقات الأخرى لقانونها، وإن كان يتناقض، ويتعارض مع مصالح هذه الطبقات الأساسية، وينعكس ضرراً على حقوقها، فهذا الضرر الذي يحدثه القانون بمصالح الطبقات، يحرمها أيضاً من إمكانية الدفاع عنها، ويجعل المجتمع ينقسم وفقاً للمصالح المتناقضة، أي: يصبح الصراع بين الطبقات في جوهره صراعاً طبقياً، حتى وإن أخذ مظاهر أخرى لا تبدو أنها واضحة لبعض أصحاب المصالح المختلفة.

تعددت القوانين والاستلاب واحد

إن الطبقة العاملة السورية قد عانت كثيراً من جملة واسعة من القوانين، والتشريعات التي صدرت منذ الاحتلال العثماني، وقانونه سيّْ الصيت المسمى قانون الأشغال العثماني مروراً بالقوانين التي أصدرها المستعمر الفرنسي مستنداً على قانون الشغل العثماني، في استمرار تحكمه، وسيطرته على الطبقة العاملة السورية الوليدة، ومنع قواها من التطور والنمو، وهو خبير بحكم التجربة التاريخية للرأسمالية مع الطبقة العاملة، بكل أشكال القمع والحصار كي لا تستطيع الطبقة العاملة من التحول إلى قوة حقيقية على الأرض، تفرض من خلالها إرادتها المستندة إلى برنامج تعبر فيه عن مصالحها وحقوقها على طريق تغيير علاقات الإنتاج الرأسمالية، التي هي السبب الرئيس في شقاء، وبؤس العمال، ومن هنا فقد عانت الطبقة العاملة السورية، وكانت لها مصلحة حقيقية في مقاومة المحتل الفرنسي إلى جانب القوى الوطنية الأخرى التي قاومته، للخلاص منه، ومن قوانينه، ولكن العمال خرجوا «من تحت الدلف إلى تحت المزراب»، حيث أعيد إنتاج القوانين المعبرة عن مصلحة البرجوازية، التي استندت إلى خبرة الرأسمالية في صياغة القوانين الناظمة للعلاقة بين أرباب العمل والعمال، والتي في جوهرها ترسيخ لنهب قوة العمل.

صراع لتحسين الشروط

عملت الطبقة العاملة السورية الكثير على التخفيف من وطأة النهب، والاستغلال الذي تم تكريسه في قانون العمل الذي صدر في عهد الاستقلال، مستخدمة سلاحها الوحيد الذي يملكه، ولكنه الفعال، وله تأثير، ونتائجه كانت ملموسة على العمال، وذلك بتحسين شروط العمل، وزيادة الأجور، وتخفيض ساعات العمل، التي كانت تمتد من طلوع الفجر إلى مغيب الشمس، هذا العمل الذي أنجزه العمال وحركتهم النقابية، لعب دوراً مهماً في تنظيم العمال في حركة نقابية واحدة موحدة، جعل منها قوة أساسية لا يمكن القفز عنها، وتجاوز مصالحها، وهذا ما تم لحظه في قوانين العمل اللاحقة التي صدرت في عهد الوحدة، وما بعدها، فقد جرى التأكيد على العديد من حقوق العمال حيث كان الظرف السياسي، وموازين القوى المحلية، والعالمية تسمح بذلك، لكن مع هذا خسرت الطبقة العاملة أهم سلاح فعال في الدفاع عن مصالحها، وحقوقها ألا وهو حق الإضراب، الذي كان مصرّحاً به في قانون العمل السابق، واستقلاليتها التنظيمية، واستقلالية قرارها من خلال الشعارات التي طرحت، التي أوهمت الطبقة العاملة بأن ما هو جارٍ من إجراءات هي الاشتراكية بعينها، وما على العمال سوى التسليم بهذا كونه تعبيراً عن مصالحهم الحقيقية التي ناضلوا من أجلها، ليكتشف العمال مع مرور الوقت أنهم يخسرون حقوقهم، ومكتسباتهم تباعاً، خاصةً مع تبني اقتصاد السوق الاجتماعي، وتطبيق السياسات الليبرالية، وتعليمات المؤسسات المالية الرأسمالية.

قلقٌ مشروع

لم تتمكن الحركة النقابية والطبقة العاملة من مواجهة هذه السياسات ونتائجها الكارثية على الطبقة العاملة، والاقتصاد الوطني برمته، والسبب واضح، وتعلم به كوادر الحركة النقابية، وينعكس في العديد من مواقفها التي تُعلن عنها في المؤتمرات والاجتماعات النقابية، وهذا يعكس حسها الوطني وتخوفها مما هو جارٍ على الأرض، ويعكس حِسّها الطبقي بقلقها على مصالح العمال ومكاسبهم.

النص الدستوري شرط غير كافٍ

إن وجود دستور ينص على حقوق الطبقة العاملة بما فيها الإضراب هو شرط غير كافٍ لحصول العمال على حقوقهم، وإنما يتطلب تحقيق ذلك مبادرة العمال في الدفاع عن حقوقهم الدستورية المشروعة، التي لا يمكن أن تُقدَّم لهم على طبق من ذهب.
انفتاح الأفق السياسي سيجعل الإمكانية أكبر أمام الطبقة العاملة، وحركتها النقابية، لأخذ زمام المبادرة من أجل استعادة استقلاليتها التامة في اتخاذ قراراتها، وصياغة برامجها المعبرة عن مصالح من تمثلهم، وفي مقدمة ذلك: تغيير قوانين العمل التي أضرّت بحقوق العمال، وصياغة قانون انتخابي عمالي يؤمن وصول المناضلين العمال بعيداً عن التدخلات الحزبية وغيرها من أية جهة كانت.

آخر تعديل على الإثنين, 25 شباط/فبراير 2019 13:06