بصراحة «كيف عايشين»
لقاء حميمي جمعنا بمجموعة من العمال يعملون في أحد المعامل الذي يضم بين جدرانه أكثر من ألف عامل، والصناعة التي ينتجون بها تحمل لهم الكثير من المخاطر المهنية، التي يغض الطرف عنها ربّ العمل والمؤسسات التي من المفترض أن تكون حامية للعمال من مخاطرها، ومن الكوارث الصحية التي تسببها لهم، ولكن لا حياة لمن تنادي!
العمال، بتجربتهم الطويلة نسبياً في العمل تكوّن وعيهم بمصالحهم، واستفاضوا بالشرح عن واقع أجورهم، وعبروا عنها بمرارة، بلغتهم الخاصة التي كانت تعكس فهماً متقدماً لآلية النهب، التي تتعرض لها قوة عملهم في سياق عملية الإنتاج، وهم بهذا قد اكتشفوا بتجربتهم قوانين النهب الرأسمالي، دون أن تكون لهم دراية مسبقة أو معرفة بالاقتصاد السياسي، وما طرح به من قوانين وتوضيحات سياسية واقتصادية لآلية النهب الرأسمالي، المتمثل بقانون فائض القيمة أو الربح المتحقق من عمل العمال. لقد صاغ العمال القانون ذاك على طريقتهم وببساطة شديدة، وسأقولها كما قالوها« دخلنا إلى العمل والمعمل كان ينتج كمية محدودة في اليوم، وبعد عمل استمر لسنوات تضاعف إنتاج المعمل إلى مائة وخمسين ضعف، وتطورت خطوط الإنتاج وزاد عددها، وارتقى المعمل بالتكنولوجيا المستخدمة، وكانت أجورنا في بدايات عملنا ما يعادل ثلاثين دولاراً وبعد سنوات من العمل مازال أجرنا يعادل الثلاثين دولاراً وهذا يعني: ما حققناه بزيادة الإنتاج انعكس ربحاً لرب العمل، الذي مكنه من تطوير معمله إلى هذا المستوى الذي نحن فيه».
العمال، فهمهم هذا، مكنهم من اكتشاف مصدر بؤسهم، ومصدر فقرهم، وطرحوا سؤالاً مهماً على أنفسهم، وهم يتحدثون، وهو: كيف السبيل لاسترداد حقنا فيما ننتجه؟ وكان الجواب العملي الذي توصلوا إليه بتجربتهم وقرروا الذهاب به إلى الحدود التي تمكنهم من تحقيق مطالبهم، فقرروا الإضراب ونظموا أنفسهم وكان في بالهم مسألة على درجة كبيرة من الأهمية، وهي: أن يحموا المعمل من عبث المتهورين، ومن عبث رب العمل لتحميلهم قضية جنائية يستخدمها في التخلص على الأقل من العمال النافذ رأيهم بين العمال، وهم قادتهم الفعليون.
ما نود قوله فيما سردنا أعلاه: أن الطبقة العاملة السورية ستشق طريقها نحو انتزاع حقوقها المشروعة الاقتصادية والسياسية، وخاصةً حقوقها الديمقراطية في التعبير عن تلك الحقوق، حتى لو تخلف عنها من هم مفترضون بتمثيل مصالحها، والواقع هو أصدق إنباءً من كل الشعارات التي لاتسمن ولا تغني من جوع.