نون النسوة في سوق العمل
غزل الماغوط غزل الماغوط

نون النسوة في سوق العمل

صدرت نتائج مسابقة وزارة العدل لاختيار المُحضرين منذ أيام، متضمنة تفاصيل توضح أعداد المتقدمين للمسابقة، ونسبة كل من الذكور والإناث، وتحولت هذه النتائج إلى مادة دسمة لتهكم العديد من الصفحات المحلية على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي عنونت منشوراتها بعبارات من قبيل «اختفاء الذكور» أو «كوكب النساء».

 

جاء ذلك بعد أن أشارت الأرقام الرسمية إلى أنه من بين 900 متقدم للمسابقة كان هناك 850 امرأة و50 رجلاً فقط، مع الإشارة إلى أن مهنة المُحضر عادة ما تكون من نصيب الرجل في المجتمع السوري.
وبعيداً عن العناوين الساخرة، فمما لا شك فيه أن تغيرات جوهرية طرأت على واقع سوق العمل السوري، وهي أكثر عمقاً وتأثيراً من أن يجري التطرق إليها بهذا القدر من السطحية والبساطة.
الوضع المعيشي
في بادئ الأمر لا بد من التنويه إلى التغيرات الاجتماعية الكبيرة الحاصلة في المجتمع السوري، ومدى تقبله لعمل المرأة، حيث جعل الوضع المعيشي المتردي المستمر منذ سنوات وحتى الآن الاكتفاء بمصدر وحيد للدخل أمراً مستحيلاً بالنسبة لمعظم الأسر في الطبقة العاملة، التي تشكل السواد الأعظم من الشعب السوري، ذلك أن انحدار المعيشة والارتفاع الجنوني للأسعار بالتزامن مع عدم تحسن الأجور، تسبب في نزول كثير من النساء إلى سوق العمل ليصبحن معيلات لأسرهن، وبالطبع لعبت الحرب دورها في تغييب الذكور ما بين «مهاجر أو عسكري أو مفقود أو معتقل» إلخ، وهذا ما قاد إلى تعزيز دور المرأة العاملة، وتحولها إلى سِمة ملازمة لأغلب الأسر السورية.
مهن غير مألوفة
من كان يتخيل قبل سنوات أن يشاهد امرأة تبيع التبغ على بسطة، أو تمسح الأحذية على الرصيف، أو تخدم الطاولات في المطاعم، ظواهر كانت نادرة في السابق، لكنها تحولت اليوم إلى جزء مألوف من المشهد السوري، ويوماً تلو الآخر نسمع بمجال جديد دخلته المرأة بعد أن كان حكراً على الرجل، وبالتأكيد فإن المُحضر القانوني لن يكون آخرها.
والواقع، أن ثمة جانباً آخر لا ينبغي إهماله عند الحديث عن إقبال النساء على مهن القطاع العام أكثر من الرجال، فعمل المرأة يمكن أن يقدم دخلاً يعين أسرتها ويخفف عنها بعض الأعباء، لكن بالنسبة إلى الرجل فإنه ضمن العادات السائدة ما يزال المسؤول الأول عن إعالة أسرته، وبالتالي فإن أجراً متواضعاً كذلك الذي يقدمه العمل في القطاع العام، لا يمكن بأيةِ حال من الأحوال أن يفي بواجبات رب الأسرة، ما جعل كثيراً من الرجال يفضلون العمل الخاص الذي يمتاز بأجر أعلى بكثير مقارنة بالعام.
تنامي الاستغلال
في المقابل يستغل أرباب العمل في القطاع الخاص، حاجة النساء إلى العمل، لأنه يمكن تشغيلهن بأجور أقل بكثير من الرجال، لذلك يظهرون ميلاً لتوظيف أعداد متزايدة من الإناث في مواقع كان يشغلها الذكور، وبالتالي يضيق الخناق أكثر فأكثر على الرجال الباحثين عن عمل لإعالة أسرهم.
وبين هذا وذاك يتجه المزيد من الذكور إلى العمل فيما يمكن تسميته قطاع العمل غير المستقر، أو المؤقت، وهو العمل الذي أوجدته ظروف معينة دون أن تمنحه صفة الديمومة أي: أنه ينتهي بانتهائها كـالأعمال السياحية الموسمية في المطاعم والمقاهي أو البيع على بسطات غير المرخصة، أو المتاجرة بالمعونات، وغيرها من الأعمال التي أصبحت رائجة خلال سنوات الأزمة.
نحتاج إلى دراسات
إن انتشار ظاهرة العمل غير المنظم من جهة، وتغير الخريطة الديمغرافية لسوق العمل السوري، وتزايد المشاركة الاقتصادية للنساء، جميعها ظواهر تتطلب دراسات مستفيضة ومتعمقة من قبل الجهات المختصة، ومن غير المنطقي أن تترك مثل هذه الظواهر رهناً لمجريات الأحداث دون تدخل يسهم في ضبطها ومعالجتها، بناءً على المعطيات والأرقام، وهو ما يستدعي تفعيل البحث العلمي في المجالين الاقتصادي والاجتماعي في أسرع وقت.