القانون 17.. العبء الأثقل على كاهل الصناعات الخفيفة
تحت مسمى الصناعات الخفيفة تندرج مجموعة واسعة من الصناعات التحويلية كالأحذية والمناديل الورقية والكرتون والدباغة والمطاط، ومع توقف كثير من منشآت القطاع العام بسبب الأزمة، باتت أغلب الصناعات الخفيفة محصورة بعمال القطاع الخاص، ما يعني أنّ آلافاً من العمال يخضعون للقانون 17 سيء السمعة والذي يفتح الباب واسعاً على تجاوزات أرباب العمل دون أن يمنح العمال أية حقوق تذكر أو قوة فعلية لاستعادتها، وبذلك يكون قد ظلم العمال مرتين، مرة من خلال نصوصه ومواده المجحفة، ومرة عبر تنصل معظم أرباب العمل في القطاع الخاص من تطبيق القانون وتعليماته التنفيذية المتساهلة تجاههم إلى أبعد الحدود.
قطاع «غير منظم»
طبقاً لمداخلة عمال القطاع الخاص في المؤتمر المهني للصناعات الخفيفة يشكو العمال من عدم تنظيمهم وغياب التشريعات اللازمة لدمجهم في المنظمة النقابية، رغم أنه واحد من أبسط حقوقهم ويجب اعتباره ملزماً لأرباب العمل، إذ ليس من المعقول أن يبقى هذا القطاع غير منظم وقد تجاوز عدد عماله أربعة ملايين عامل قبل الأزمة ما أدى إلى تشريد الكثير منهم في الظروف الحالية، ما يستدعي ضرورة تنسيب العمال إلى المنظمة النقابية والأهم من ذلك أن يكون القانون فوق الجميع ويطبق على الجميع دون استثناء كما جاء في المداخلة.
قانون على قياس رب العمل
شرع القانون 17 اضطهاد العمال وإذلالهم في مادتين منه، الأولى هي المادة \65\ التي أجازت فصل العامل ورميه حين يشاء رب العمل وهو ما يعني تجريد العامل من جميع حقوقه التي أقرها القانون بما في ذلك أجره التقاعدي دون أن تترتب على ذلك أية مساءلة لرب العمل، وهو ما قاد إلى إنهاء عقود عمل عمرها عشرات السنين بجرة قلم ودون أية محاسبة، في حين تقف النقابات موقف الحياد دون أن تحرك ساكناً.
وأما الثانية فهي المادة \205\ التي أفرزت ما يسمى بالمحاكم العمالية مع العلم أن آخر هم هذه المحاكم هو استعادة حقوق العمال، حيث تنحصر وظيفتها الرئيسة بالمماطلة والتسويف وتضييع وقت العامل وأمواله وحقوقه في نهاية المطاف، إذ تبقى الدعاوى عالقة فيها لسنوات يخسر خلالها العامل عمله وأجره وكرامته دون نتيجة تذكر، والأمثلة أكثر من أن نتحدث عنها هنا، فمنذ بدء الأزمة وحتى اليوم خسر مئات العمال عملهم، ولم يحصلوا حقوقهم في هذه المحاكم.
شركاء .. ضد العمال لا معهم!
كثيرون هم الشركاء ضد عمال القطاع الخاص، وفي طليعتهم الجهات المعنية بشؤن العمال التي تغض الطرف عن تطبيق أية مادة في صالح العامل، ومنها المادة \58\ من قانون التأمينات والمنفذة للمادة \95\ في قانون العمل الفقرة \ أ \ والمتعلقة بمنح رب العمل الزيادات الدورية للعمال، ومعاقبته بالإلزام بالزيادة إضافة إلى الغرامة إذا لم يلتزم بدفع الزيادة الدورية من تلقاء نفسه في المدة المحددة لها ضمن قانون التأمينات.
الإلزام والتعديل
يمكن إجمال الحلول المقترحة لوضع حد لاستغلال عمال القطاع الخاص في نقاط عدة أبرزها إيجاد آلية لإلزام صاحب العمل بسداد بدل رواتب العامل طوال فترة التقاضي لدى المحاكم العمالية وهو ما نصت عليه المادة 209 من القانون 17، وإعطاء المحكمة الحق في الحجز الاحتياطي على أملاك صاحب العمل عند تسجيل الدعوى في ديوانها لكي لا يستطيع نقل أمواله وأملاكه إلى خارج القطر أو تسجيلها بأسماء ورثته كما يحدث عادة.
إلى جانب إلغاء المادة 65 التي تجيز الفصل التعسفي للعمال، وتعديل المادة \67 \ لحماية أعضاء التنظيم النقابي وهم يدافعون عن عمالهم وفرض غرامة على رب العمل في حال فصله لأحدهم او إذا لم يسمح للعمال بالانتساب إلى النقابة المختصة، كذلك تعديل الفصل الثاني والمتعلق بمنازعات العمل الجماعية، والتي عوملت معاملة المنازعات الفردية وذلك بغية تشتيتها وإفقادها الطابع الجمعي. إلى جانب ذلك ينبغي إلزام رب العمل بتسجيل العامل في التأمينات الاجتماعية براتبه الحقيقي لكي لا تضيع حقوقه عند التقاعد، ومنح العامل راتب شهر عن كل سنة إذا كان رب العمل قد تهرب من تسجيله بالراتب الحقيقي، وإضافة مادة تلزم رب العمل بتطبيق المراسيم الصادرة عن رئاسة الجمهورية.
قبل أن يفوت الأوان
لو وجد عمال القطاع الخاص سبيلاً إلى قطاع الدولة لما تركوا أنفسهم تحت رحمة من لا ترتجى رحمته، وكل ما يطلبونه اليوم هو بعض التعديلات التي من شأنها أن تصون كرامتهم بدلاً من فرض قانون يدفّعهم ثمن الانتماء إلى القطاع الخاص، فالقانون 17 أشبه بعقوبة فرضها المشرع السوري على كل عامل لم يجد لنفسه مكاناً في قطاع الدولة، وهو أقرب ما يكون إلى عقد استعباد جعله لقمة سائغة أمام حيتان الصناعة التي لا تبقي ولا تذر، فمتى تقرر الحكومة أنه قد حان الوقت للتوقف عن معاقبة هؤلاء العمال والمتاجرة بحقوقهم ودمائهم، لا سيما وأن الأشهر الأخيرة قد شهدت زيادة في الحراك العمالي المطالب بالحقوق، ألم يحن الوقت لتستيقظ الحكومة الرشيدة وتبدأ في تحسين أوضاع عمالها قبل أن يقع «الفاس بالراس» ؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 811