الرهان على من يكون؟!
عجت التقارير ومن بعدها المؤتمرات بمئات المطالب والمقترحات، وأكدت القيادات النقابية على مختلف مستوياتها بأنها مستمرة في سعيها لتحصيل ما أمكن من حكومة اليوم كما فعلت مع حكومات الأمس في رهان على تجاوبها وأي رهان هذا؟!.
يستطيع أي متابع للحركة النقابية، عبر السنوات الماضية عموماً ومنذ تفجر الأزمة خصوصاً، أن يرصد بسهولة بالغة مواطن القوة ومكامن الضعف، وأن يحصي مئات المطالب العمالية والإنتاجية التي وضعت على طاولة الحكومات وجداول الوزراء، أو طرحت في غرف إدارات المعامل والمنشآت فلا المعامل أُنقذّت، ولا الحقوق حُصّلت، ولا المطالب نُفذّت، لسبب بديهي وواضح، وهو أن مصالح الطبقة العاملة في واد وسياسات الحكومة في واد آخر، وادي السياسات الاقتصادية الليبرالية المقيتة التي ما زالت منهج الحكومات ودستورها الوحيد ومصدر ثراء الأثرياء، فمن الطبيعي إذاً أن تصبح أية مراهنة على الحكومات هباءً منثوراً، ولا سبيل لتصحيح هذا الخطأ إلا بالنظر لمكمن القوة الأساس وهو: العمال والعمال حصراً، فهم الحصان الرابح الذي فيه تتغير الموازين وتعود الحقوق، فشتان ما بين موقف العامل الذي قال في أحد المؤتمرات النقابية: نزرع معملنا بطاطا ولا نسمح بإغلاقه، وبين موقف الحكومة الذي يهدد بقطع الأجور عن عمال المنشآت المخسرة.
لا وسطية بالعمل النقابي!
لم يكن دور النقابات في يوم من الأيام دور الوساطة أو الحيادية، وليست من مهامها التوفيق ما بين مطالب العمال أينما كانوا، وما بين الحكومة مهما كانت سياساتها، ويمكن أن نأخذ مثالاً على ذلك: الموقف الذي أخذته القيادات النقابية من قانون التشاركية، فالحكومة موافقة عليه وبدأت في العمل فيه وهذا طبيعي، كونها صاحبة القانون في حين كان الموقف العام عند عمال القطاع العام ضد القانون شكلاً ومضموناً وأما التنظيم النقابي فقد أخذ الموقف الوسطي بين الموقفين حيث أعلن بأنه مع قانون التشاركية بشروط محددة، وتعامل مع القانون كأنه قدر محتوم لا مفر منه، على مبدأ «اللهم لا أسألك رد القضاء بل أسألك اللطف فيه»
العمال صاغوا موقفهم
فماذا عنكم؟
تثلج الصدر تلك المداخلات التي أطلقها الكثير من العمال في مؤتمراتهم، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وفي معظم القطاعات الإنتاجية والخدمية، فأدلوا بدلوهم حين طرحوا الحلول للكثير من الصعوبات والمعيقات الإنتاجية، ورفعوا صوتهم حين دافعوا عن منشآتهم ومعاملهم ودوائرهم وحقوقهم المعيشية اليومية، فصاغوا بنفسهم كلٌّ على طريقته موقفاً يصلح كي يكون بوصلةً للتوجه اللاحق بل إن هذا هو المفترض تماماً، وليس على القيادات النقابية وكلٌّ حسب موقعه غير صياغة هذه المطالب، وتصنيفها بين الخاص والعام وتبنيها بشكل كامل وواضح ومعلن، والعمل عليها بجدية والتزام يماثل جدية والتزام طالبيها، لانتزاعها من الحكومة بالوسائل المشروعة كافةً ضمن سلم من الأولويات، تتصدرها زيادة الأجور الحقيقية الفعلية وتبني حق الإضراب، وهذا تحديداً قد أصبح ضرورةً فرضتها الأوضاع المتدهورة للواقع الإنتاجي في قطاع الدولة والواقع المعيشي للطبقة العاملة بأسرها من جانب، واستمرار سياسة الإفقار والتطنيش الحكومي من جانب آخر، فالوضع القائم لم يعد يحتمل تأجيلاً هنا وتراخياً هناك ولتتحمل الحكومة مآل التحرك العمالي القادم الذي لم يعد بعيداً كما يبدو للقاصي والداني، وليتحمل الجميع الدور المناط بهم في تبني كامل مطالب الطبقة العاملة، كي لا يتحمل أوزار الحكومة وسياساتها الاقتصادية التي أوصلت العمال إلى خيارات مفتوحة، لا يعلم غير الله مداها.
لا بديل عن الطبقة العاملة
يمكن تلمس الرغبة الكبيرة الموجودة عند الكوادر النقابية، على الخروج من عنق الزجاجة، والمضي قدماً في استعادة الدور الوظيفي للحركة النقابية وتنظيمها الواسع، من خلال تعزيز وحدتها واستقلاليتها هو مرتكز مهم، وأرضية صلبة، لتكاتف القوى ورصّ الصفوف من أجل النهوض بواقعها بما يتناسب مع طموحات الطبقة العاملة، ولعل السنوات الماضية كانت كفيلةً بتوضيح صوابية طرح المطالب بالعودة لصفوف العمال، وضرورة ملاقاتها وتبني كامل مطالبها الوطنية والديمقراطية والاقتصادية الاجتماعية، ومن المؤكد بأن أنصار هذا الطرح قد أصبحوا أكثر نضجاً ووعياً لمهامهم القادمة، فهم مطالبون بالحفاظ على وحدة الحركة النقابية بقدر حفاظهم على دورها وعليه فإن العمل الحقيقي الآن، وكما كان طوال الوقت، هو: بين صفوف العمال في القطاعات كافةً فهم مبرر وجودهم ومصدر قوتهم وكما يقال: الأمور تقاس بخواتيمها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 805