ضريبة الدخل لا ينقصها سوى «الدخل»!
غزل الماغوط غزل الماغوط

ضريبة الدخل لا ينقصها سوى «الدخل»!

تعد ضريبة الدخل حقاً للدولة يساعدها في رفد ميزانيتها بالمبالغ اللازمة لدعم قطاع الحكومة بما يعود على المواطن خدمات عامة كالمدارس والمشافي والنظافة، فضرائب دخل الأجور وضرائب أرباح الشركات، عامة أو خاصة، مع الإيرادات الجمركية والرسوم الأخرى، جميعها كمصادر للتمويل الحكومي، أضف إلى ذلك أن النظام الضريبي العادل، يسهم في تحقق العدالة الاجتماعية، فلماذا يؤخذ على النظام الضريبي السوري إغراقه في الانحياز والفساد وانعدام العدالة؟

 

كيف تحتسب؟ 

قبل أن نتطرق إلى مساوئه لا بد بأن ننوه، إن الضرائب  تحتسب طبقا للتشريع الضريبي السوري عن طريق عمليتين، الأولى : هي تحديد الدخل الصافي الشهري الخاضع للضريبة، والثانية: تطبيق المعدلات الضريبة المنصوص عليها على هذا الدخل الصافي، وذلك بعد تنزيل الحد الأدنى المعفى.

 بين الأجر والدخل!

الأجر هو ثمن العمل، أي أنه ما يتقاضاه العامل لقاء عمله، وهو ضروري لتجديد قوة العمل، ولكي يتمكن العامل من الاستمرار في عمله لا أكثر، أما الدخل فهو الأجر مضافاً إليه الربح الناتج عن العمل، والذي يحصل عليه مالكو وسائل الإنتاج، أياً كان نوع النشاط الاقتصادي.

مفارقة..؟

في حالة موظفنا «المنتوف» الذي لا يكفيه أجره لأكثر من الأسبوع الأول من الشهر في أحسن الأحوال، من المخجل أن يُطالب بضريبةٍ، كما لو أن لديه ما يفيض عن حاجته من المال، وطبقا لمؤشر قاسيون الربعي لتحديد تكاليف المعيشة، لأسرة سورية متوسطة، عدد أفرادها خمسة،  فإنها بحاجة إلى مبلغ يزيد عن  290 ألف ليرة سورية شهرياً لتأمين حاجاتها الأساسية من غذاء وسكن ولباس وتعليم ونقل وطبابة، وعلى هذا فإن الحديث عن ضريبة الدخل المفروضة على الموظف العادي، يمكن  القبول به عندما يزيد ما تحصل عليه الأسرة على 290 الف ليرة وسطياً، وهو ما لا يلوح في الأفق في ظل السياسات الحكومية المغرقة في محاباة أصحاب رؤوس الأموال.

مربط الفرس!

تصدر من حين لآخر مراسيم بإعفاء نسبة من الأجر من الضرائب أو زيادتها، وكان آخرها المرسوم التشريعي رقم 46 لعام 2015 ، والقاضي برفع الحد الأدنى المعفى من الضرائب للرواتب والأجور من عشرة آلاف ليرة إلى خمسة عشر ألف ليرة سورية.

لكن إعفاء جزء من الراتب الشهري للعاملين في الدولة من ضريبة الدخل لا يغير من الأمر شيئاً، ولا يحل جانباً من المشكلة، فالمغالطة لا تكمن في النسبة التي تستلزم ضريبة الدخل وإنما في الفارق الجوهري بين الأجر وبين أنواع الدخل الأخرى التي تصنف جميعها كربح، وهو الفارق الذي أقصي عن أذهان العمال، ليتحول إلى إشكالية لا يعيها كثيرون رغم أنهم يدفعون ثمنها غالياً.

وما من عدالة؟!

تعتبر قاعدة العدالة الضريبية من المبادئ الأساسية التي تنبغي مراعاتها عند فرض الضريبة،  وهي  تعني ببساطة تناسب الضرائب مع الدخول، أي أن ترتفع نسبتها لدى أصحاب الدخول المرتفعة،  وأن تكون ثابتة و متدنية بالنسبة لأصحاب الدخول الثابتة أو المتدنية، وهي تفترض إعفاء الفقراء أو أصحاب الدخول المتواضعة من الضرائب أو تخفيضها بشكل كبير.

وتستند العدالة الضريبية إلى مبدأين، العدالة الأفقية والعدالة العمودية، فالأول يعني: أن تتم  معاملة الأفراد ذوي الظروف الاقتصادية المتماثلة معاملة متساوية، والثاني يعني: أن يعامل الأفراد ذوو الظروف الاقتصادية المختلفة معاملة مختلفة وبهذا تصبح العدالة الضريبية جزءاً لا يتجزأ من العدالة الاجتماعية.

واقع الحال!

لكن ما يحدث في سورية هو: أن عمال القطاع العام وهم من ذوي الدخول المحدودة والمتدنية يؤدون التزاماتهم الضريبة كاملةً، وذلك عبر اقتطاعها من رواتبهم الشهرية، في حين يتهرب أصحاب رؤوس الأموال والتجار والصناعيون من التزاماتهم الضريبة عن طريق عدم الإفصاح عن دخولهم الحقيقية، وهكذا تنتفي العدالة الضريبة وتغدو الضرائب عبئاً يثقل كاهل محدودي الدخل، ويفلت منه من هم أقدر اقتصاديا على الإيفاء بمستحقاته.

بلغة الأرقام؟

تشير تقديرات الاتحاد العام لنقابات العمال إلى أن قيمة التهرب الضريبي السنوي لعام 2015 بلغت أكثر من 200 مليار ليرة، وهو ما يعادل بالمتوسط الحسابي حوالي 8% من الناتج المحلي الإجمالي في سنوات ما قبل الأزمة. 

وعلى سبيل المثال: إن نسبة مساهمة القطاع الخاص في الحصيلة الضريبية لعام 2008  لا تزيد على 34 مليار ليرة من أصل 364 مليار ليرة، فما بالك بالتهرب الضريبي اليوم والذي وصل إلى معدلات قياسية في ظل الأزمة؟

قد لا تكون هذه المعطيات سوى الجزء البارز من جبل الجليد، الذي يخفي في القاع فساداً مستشرياً وترهلاً في النظام الضريبي، وليس من المستغرب أن تكون السياسات الضريبية على هذه الحال، وأن تشكل عبئاً على أصحاب الأجور، فهي سياسات عرف عنها منذ أيام الحكومة الدردرية، وحتى ما قبلها، محاباة أصحاب الأرباح على حساب المنتجين الحقيقيين للثروة، ما يجعل أي إصلاح ضريبي عديم الجدوى، ما لم تتغير السياسات الاقتصادية والنقدية، وتُبنى في المقام الأول على ما يخدم مصلحة أصحاب الأجور، لتكون الضرائب فرضاً على الأرباح لا الأجور وهي الخطوة الأولى نحو نظام ضريبي عادل!  

معلومات إضافية

العدد رقم:
800