عادل ياسين عادل ياسين

بصراحة زيادة الأجور... ليس كل مايلمع ذهباً

تكتسب قضية الأجور أهمية متزايدة اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً في ظل التحديات الكبيرة التي يواجهها الوطن جراء الضغوط الواسعة التي تمارسها الإمبريالية الأمريكية ومرتكزاتها الداخلية، وفي ظل استشراء عمليات النهب الواسعة وبأشكاله المختلفة التي يتعرض لها الاقتصاد الوطني، والتي تشكل العقبة الرئيسية التي لابد من إزاحتها والقضاء عليها حتى يتسنى لها تحقيق زيادة حقيقية للأجور غير متآكلة منذ اللحظة الأولى لزيادتها، والتي تذهب في نهاية المطاف إلى جيوب الرأسماليين من خلال زيادة أسعار المواد المختلفة والضرورية لحياة الشعب والذي يتحقق من زيادة الأسعار تلك مزيد من الأرباح ومزيد من تمركز رأس المال، وبالمقابل تتعمق الفوارق الطبقية وتزداد حالة الإفقار لأعداد متزايدة من السكان جراء عمليات الاحتكار و الاستغلال المختلفة.

إن قضية الأجور وزيادتها هي قضية وطنية بامتياز ويتوقف على حلها حلاً صحيحاً جملة من الأمور الأساسية، وفي مقدمتها تعزيز الوحدة الوطنية التي هي تعبير عن إرادة الشعب السوري القوية في خلق الأسس الكفيلة والناجحة لمواجهة المخاطر المحدقة، ويأتي في مقدمتها الالتفات إلى حاجات الشعب الضرورية، فتحسين الوضع المعيشي للطبقات الفقيرة وبالأخص الطبقة العاملة التي تنتج الخيرات وهي محرومة منها، وغريبة عنها، والتي لاينالها من تلك الخيرات سوى الفتات الذي تسمح به عملية النهب والاستغلال والاحتكار التي تقوم بها قوى السوق والسوء، والاستمرار في هذا الأمر لايمكن تحمله إلى ما لانهاية، ولابد من إيجاد حلول حقيقية تضمن كرامة الوطن والمواطن والذي سيدافع بالضرورة عن كرامة الوطن وسيقطع الطريق أيضاً على كل القوى التي تحاول دفع الأزمات إلى أقصاها ومنها أزمة المعيشة حيث السعي إلى تحويلها إلى قنبلة موقوتة إلى جوار عشرات القنابل الموقوتة المزروعة في جسدنا بانتظار تفجيرها في اللحظة المناسبة.

إن سياسات الحكومات المتعاقبة الانكماشية التي تمثلت في تقليص الإنفاق الاستثماري وتجميد الأجور وتحرير الأسعار، لعبت تلك السياسات دوراً مهماً في تدهور المستوى المعيشي للفقراء وفي تعميق أزمة البطالة، وزيادة جيش العاطلين عن العمل والذين تقدر نسبتهم بـ 20% من عدد القادرين على العمل، وهذا الرقم سيزداد باستمرار تلك السياسات التي تحقق البرنامج الاقتصادي لليبراليين الجدد تحت مسميات مختلفة ـ الاستثمار ـ جذب رؤوس الأموال ـ رفع العبء الاستثماري عن كاهل الحكومة من خلال اعتبار القطاع الخاص شريكاً رئيسياً في عملية التنمية والاستثمار ـ تحرير الأسعار، وفتح الأسواق على مصراعيها للبضائع القادمة من الخارج دون وجود حماية حقيقية للإنتاج الوطني مما يعني مزيداً من الكساد ومزيداً من الخراب، وهذا سيقوي الحجة لدى المطالبين بعدم زيادة الأجور للعمال، باعتبار الزيادة يجب أن تأتي من خلال زيادة ا لإنتاج والتي تقع مسؤوليته على العامل الذي يقصر في تحقيق ذلك، وبالتالي فإن العامل هو المسؤول عن عدم زيادة الأجور؟!!

إن معظم الحلول المطروحة لزيادة الأجور تعكس الميزان الطبقي ـ الحقيقي، ويتجلى ذلك بما تحصل عليه كل طبقة من الدخل الوطني والذي يتكون من (الأجور ـ الأرباح) حيث بلغت أعلى قيمة لمعدل الأجور (21.4) في عام 2002، بينما انخفضت نسبة الأرباح لنفس العام إلى 78.6%، بينما بلغت أدنى قيمة معدل الأجور 12.2% عام 1997، وبلغ حصة الأجور الوسطي خلال الفترة 1992 ـ 2003 إلى 17% من الناتج المحلي.

ألا تعكس هذه الأرقام الرسمية الواقع الحقيقي والمأساوي الذي تعيشه قضية الأجور؟؟

وإن الحلول المطروحة ستؤدي أكثر إلى (هبوط حصة العمل من الدخل الوطني بالمقارنة مع حصة الرأسمال أي هبوط مايسمى بالأجرة النسبية (أي نسبة الأجر إلى الربح)).

إن انخفاض الأجور رغم الزيادات المتكررة، وارتفاع نسبة الأرباح سببه الرئيسي تمويل زيادة الأجور من مصادر غير حقيقية، أي من خلال رفع الأسعار مما يؤدي إلى تآكل الأجور مباشرة، وفقدها لإمكانية تلبية الحاجات الضرورية من غذاء وكساء وصحة وتعليم وسكن والتي تقول  الدراسات الحكومية نفسها أن الأسرة المكونة من خمسة أفراد والتي يحتاج الفرد منها إلى 2400 حريرة، تحتاج تلك الأسرة إلى 23520 ل.س شهرياً.

إن الحل الممكن والضروري لزيادة الأجور هو تعديل تلك المادة التي تمثل العلاقة بين (الأجور والأرباح) أي تعديل نسبة الأرباح لصالح الأجور من خلال إعادة توزيع الدخل الوطني مرة أخرى عن طريق فرض سياسة ضريبية عادلة تمكن من زيادة الأجور والتي تكون نسبتها العادلة من الدخل الوطني بين 40 ـ 60% وأيضاً ضرب مرتكزات النهب الكبرى حيث يحول هذا النهب جزءاً هاماً من الدخل الوطني إلى خارج الدورة الاقتصادية المحلية سنوياً.

 

إن النضال من أجل الأجور وزيادتها يتطلب موقفاً حازماً للقوى الوطنية بما فيها النقابات باعتبار معركة الأجور وزيادتها هي جزء من المعركة الوطنية الشاملة التي تخوضها دفاعاً عن   حق شعبنا بالحياة الحرة الكريمة.