السكن العمالي.. من  «أمن لي بيت» إلى «أمن لي قسط»!
غزل الماغوط غزل الماغوط

السكن العمالي.. من «أمن لي بيت» إلى «أمن لي قسط»!

يعد موضوع السكن العمالي في سورية مجالاً واسعاً للبحث، إذ يكتنفه الكثير من التعقيد والغموض، فما أن تبدأ بالبحث في هذا الجانب حتى تجد كماً كبيراً من المعطيات والمعلومات والأرقام التي تتضارب فيما بينها، لتلخص حالة من الفساد والفوضى اتخذت من الأزمة شماعة لها، رغم أن الواضح أنها بدأت قبيل الأزمة بسنوات.

حلم مؤجل

الحصول على منزل حلم يتقاسمه آلاف العمال السوريين من ذوي الدخل المحدود، والذين وجدوا في السكن العمالي فرصة لتحقيق آمالهم والتحرر من قيود الإيجار والانتقال إلى حياة أكثر استقراراً، على مبدأ «ثوب العيرة ما بيدفي»، لكن الحرب وتداعياتها صادرت حلمهم هذا كما فعلت بسائر أحلام السوريين، ولم يبق لكثير من العمال من حلمهم هذا سوى وعود بإعادة ترميم المساكن العمالية المدمرة جزئياً أو كلياً، ومزيد من الأقساط التي تثقل كاهل دخلهم «المهدود» إلى درجة كبيرة.

عدرا العمالية

 نموذجاً

عانت ضاحية عدرا العمالية من دمار هائل بسبب النزاع المسلح، لذلك فإن الكلفة التقديرية للأضرار التي لحقت بممتلكات المؤسسة العامة للإسكان فيها، تبعاً لمصادر حكومية، قدرت بأكثر من مليار و574 مليون ليرة.

وبناء على هذه التقديرات تم رصد مليار وثمانية ملايين ليرة لإعادة تأهيل السكن العمالي المتضرر في المدينة، على أن تتحمل الدولة 60% من التكلفة ويتحمل العامل 40% منها، وهي نسبة مرتفعة  للغاية بالنسبة للعمال وإمكاناتهم المادية المحدودة بأجورهم المتدنية، ورغم أن الاتحاد العام لنقابات العمال يقر بأن هذه النسبة «مجحفة» بحق العمال، لكنه في الوقت نفسه يعجز عن إيجاد منفذ لحل هذه المشكلة المستعصية.

أقساط مجحفة

فالدمار الذي لحق بكثير من المساكن العمالية وانخفاض قيمة العملة  الوطنية بررا للجهات المعنية رفع قيمة المسكن العمالي، وهو ما حصل مثلاً في السكن العمالي بمحافظة طرطوس، حيث وصل سعر المسكن إلى ستة ملايين ليرة، اشترط  دفع 50% كدفعة أولى كما تشير الصحف المحلية، وذلك إلى جانب قسط شهري قدره 30 ألف ليرة!، فمن أين يأتي العامل المعروف بدخله الهزيل بمبلغ 3 ملايين ليرة كدفعة أولى، مع العلم أن المطلوب في الأصل هو 10% فقط من ثمن الشقة، أي ما يعادل 750 ألف ليرة، وهل يوجد اليوم على امتداد هذا الوطن عامل سوري واحد بوسعه أن يدفع قسطاً أعلى من متوسط دخله الشهري؟.

محاولة غير كافية

اتحاد العمال كان قد تطرق إلى مشكلة أقساط السكن العمالي مرات عدة، أبرزها كانت خلال الملتقى المهني للبناء والاخشاب، إذ أكد أنه تمكن بعد جولات من الأخذ والرد مع رئاسة الوزراء من تقليص قيمة القسط الخاص بالسكن العمالي إلى درجة مقبولة، حيث أن الأقساط التي كانت محددة تماماً كتسعيرة السكن الشبابي وهي 57 ألف ليرة، ولكن وعلى اعتبار أن هذا الرقم مرتفع ويتجاوز قدرة العامل، إلى جانب كونه يخالف نص قانوني بأنه لا يجوز أن تبلغ الاقتطاعات من راتب العامل 40%، «وهذا المبلغ يتطلب اقتطاع 150 % «، فقد تم خفض المبلغ إلى 44 ألف ليرة سورية، وقد حاول الاتحاد العام تخفيض السعر بنسبة أكبر، إلا أن هذه المحاولات لم تجدِ بسبب ارتفاع تكاليف البناء اليوم.

تضارب

المعلومات المتعلقة بحجم الخسائر، ونسب تحمل الجهات المعنية، وأقساط المسكن بالنسبة لكل من العامل المكتتب والمخصص والمستلم، تتضارب إلى حد كبير، والمسؤولية عن رفع الأقساط كرة تتقاذفها المؤسسة العامة للإسكان والمصرف العقاري واتحاد العمال، وفي النهاية يُلقى باللائمة على الإرهاب والحرب والحصار وما إلى ذلك، ويضطر العامل وحده إلى أن يدفع «من كيسه» الفاتورة النهائية.

«عدد المساكن العمالية  المنجزة موزعة حسب المحافظات منذ إحداث المؤسسة العامة للإسكان وحتى نهاية الربع الثاني من العام 2016 »: