بصراحة حق الإضراب يمكن أن يتحقق دون مقايضة
دائماً، وفي كل المؤتمرات النقابية، يطرح بعض النقابيين حق الإضراب والاعتصام للطبقة العاملة، وضرورة تضمين هذا الحق في القوانين والتشريعات الخاصة بقضايا العمل والعمال، وخاصة قانون التنظيم النقابي، ليصبح هذا الحق مشروعاً للطبقة العاملة، يمكّنها من الدفاع عن حقوقها ومكاسبها.
هذا الحق مارسته الطبقة العاملة في كل أصقاع العالم، ومنها الطبقة العاملة السورية دون إذن مسبق، لأن المصالح والحقوق العمالية تدفع العمال للتفكير الجماعي بالأشكال التي لا بد من إتباعها للدفاع عن مصالحهم ضد الاستغلال الذي يتعرضون له خاصة في ظل تشريعات قانونية، تجيز لأرباب العمل ممارسة الاستغلال ونهب الحقوق وتجاوزها، وكأن تلك القوانين قد فصّلت على مقاسهم لتأمين حرية أعلى في السيطرة والهيمنة، وبالمقابل تحرم العمال وبقوة القانون حقهم في الدفاع عن مصالحهم.
والمستغرب في هذا السياق وفي ظل الاتفاقيات الدولية والعربية الضامنة لحق الإضراب، التي جرى التوقيع عليها، أن هناك استهجاناً للمطالبة بحق الإضراب من بعض المسؤولين واعتبار هذا من المحرمات التي يجب عدم الاقتراب منها أو الحوار فيها، ولو جرى ذلك تحت سقف النقابات. حيث يجري التصدي لطارحي حق الإضراب بقوة في محاولة لإثبات بطلانه وعدم حاجة الطبقة العاملة السورية له، وكأن كل الأمور تقاس حسب حاجة العمال لهذا المطلب أو ذاك، فيتم تلبيتها وتحقيقها وفق حاجات العمال؟!
إن الكثير من المكاسب يجري قضمها وابتلاعها تحت حجة ضعف الموارد والتكاليف المالية التي تسببها للخزينة ولميزانيات الشركات، مما يعني خسائر لهذه الشركات حسب ادعاءات الجهات الوصائية، وبالتالي يُنصح العمال وممثلوهم ألا يتمادوا في مطالبهم، وأن يشدوا الأحزمة على البطون الخاوية، والسكوت عن حقوقهم ومكاسبهم التي تعمل (الحكومة) على جعلها بحدودها الدنيا كما جرى بتطبيق القانون (50) والذي تم الادعاء بأن تكاليف تطبيقه يلزم عشرات المليارات، ولكن وكما يؤكد رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال «الاعتماد الذي رصد ليس بالحجم الذي وعدنا به، وبقيت الاعتمادات منخفضة، كل المزايا بقيت اعتماداتها دون المستوى المطلوب».
إذاً ما تتعرض له حقوق العمال من هجوم، وتقليص للمكاسب يستوجب موقفاً حازماً من الحركة العمالية والنقابية لوقف هذا الهجوم، والأشكال المتبعة حالياً، لم تعد مجدية، بل لا بد من اللجوء إلى أشكال أخرى في النضال المطلبي يعتمد بالدرجة الأولى على ما تمتلكه الطبقة العاملة السورية من مخزون نضالي يحتاج إلى تفعيل وتأطير وتنظيم وتعبئة لكي يوضع على سكته الصحيحة عوضاً عن التعامل مع العمال باعتبارهم رقم ضمن الأرقام التي ترد في كشوفات الميزانيات وجداول المهن.
إن الطبقة العاملة قوة حية أثبتت جدارتها في التصدي لمهامها الوطنية والاجتماعية والنضالية منذ تكوينها كطبقة لها مصالحها ولها حقوقها وتعرف واجباتها تجاه الوطن.
ومن هنا تأتي أهمية حق الإضراب والاعتصام الذي لا يمكن مقايضته بقانون أو مرسوم، تحت مقولة حماية العمال من التسريح كما طرح أثناء نقاش مشروع تعديل القانون (91) لعام 1959 المزمع إصداره حيث جرى جدل واسع حول تلك التعديلات مع أرباب العمل ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية، فقد كانت إحدى النقاط الأساسية التي جرى خلاف حولها المرسوم (49) المتعلق بقضايا التسريح، الذي يطالب أرباب العمل بإلغائه من التطبيق على الرغم من أن هذا المرسوم لم تكن له فاعلية عملية سابقا مع وجود المادة (138) التي عدلت، إذ كان قد سرح الكثير من العمال وفقها، والآن أرباب العمل يسرحون العمال دون أن يكون هذا المرسوم حامياً للعمال لإنّ أرباب العمل يجبرون العمال على توقيع استقالة مسبقة بدون تاريخ مع براءة ذمة.
إن المطروح بهذا السياق هو إقرار حق الإضراب للعمال مقابل إلغاء المرسوم (49)، وهذه المقايضة غير صحيحة لأن حق الإضراب للعمال سواء في القطاع العام أو الخاص لا يمكن مقايضته بشيء آخر، ولا بد من تثبيته لأنه سلاح فعال في مواجهة سلوك أرباب العمل الذين يستخدمون سلاح التسريح للضغط على العمال للخضوع لشروط عملهم سواء من ناحية فرض أجور متدنية مع حرمان من المزايا والعمل ببيئة ملوثة تنعدم فيها شروط الصحة والسلامة المهنية.
فلندافع عن حقنا بالإضراب من أجل حياة أفضل وشروط عمل أفضل.