جلسة حوار عمالية..
في مطلع الأسبوع المنصرم، عقد المكتب العمالي لحزب الإرادة الشعبية في دمشق جلسة حوار عمالية، ضمت مجموعة من العمال والنقابيين في القطاعين «الخاص والعام» ومن مختلف المهن.
حيث كانت المحاور الأساسية للنقاش هي:
لماذا كان الدور الوظيفي للحركة النقابية والعمالية متقدماً في مراحل، ومتراجعاً في مراحل أخرى، وفق التطور التاريخي للحركتين كليهما؟
ماذا تحقق للطبقة العاملة في مرحلة الصعود، وماذا خسر العمال في مرحلة التراجع؟.
كيف يمكن للحركة النقابية والحركة العمالية استعادة الدور الوظيفي في ظل السياسات الاقتصادية الليبرالية؟.
ما هي الأدوات والأشكال النضالية الممكنة من أجل استعادة ذلك الدور، على ضوء التجربة التاريخية للحركة النقابية، والتجارب الجديدة التي مرت وتمر على الطبقة العاملة السورية، من أجل الدفاع عن حقوقها ومكاسبها، وفي مقدمتها أجورها ومستوى معيشتها؟.
هذه المحاور الأساسية التي فتح النقاش حولها، مع التطرق إلى قضايا أخرى تكتسب راهنيتها وأهميتها من وجهة نظر الحضور، وهي القضايا المتعلقة بواقع المعامل والإنتاج، وواقع عمال القطاع الخاص، الذي أخذ حيزاً مهماً من وقت النشاط.
إضاءة تاريخية
قدم المكتب العمالي إضاءة على مراحل تطور دور الحركة العمالية والنقابية، استناداً لواقع موازين القوى الدولية وانعكاسها على موازين القوى المحلية، التي كانت سائدة في الثلاثينات والأربعينات من القرن الفائت، حيث أكتسب النضال العمالي والنقابي زخماً لوجود قوى تقدمية صاعدة ممثلة بالحزب الشيوعي السوري، الذي كان له دور فاعل ليس بإرشاد الحركة الوليدة سياسياً واقتصادياً عبر البرامج التي كان يقدمها، بل أيضاً عبر دور فاعل على الأرض من خلال المشاركة المباشرة في تأسيس النقابات، وفي النضال العمالي الذي أخذ اتجاهين:
الاتجاه الأول: المساهمة الفعالة في مقاومة الاستعمار الفرنسي ومقاومة عملائه، ممثلي الشركات التي استجلبها معه، حيث كانت المشاركة الواسعة للعمال والنقابات في الإضرابات الواسعة والمظاهرات التي عمت الوطن.
الاتجاه الثاني: الدفاع عن الحقوق المشروعة للطبقة العاملة، من أجل ثمان ساعات عمل ومن أجل أجر عادل، وحق العمال في الإضراب كشكل من أشكال المقاومة.
الحركة النقابية والعمالية تمكنت من القيام بدورها الوظيفي لتضافر عاملين أساسيين؛ الأول: واقع موضوعي يؤمن إمكانية الحركة، بالرغم من تعقيداتها المتمثلة بوجود قوى لا مصلحة طبقية لها بتطور دور وفاعلية الحركة النقابية سياسياً واجتماعياً.
الثاني: عامل ذاتي لديه الرؤية والخطاب، ويملك الأدوات التي تمكنه من الدفاع عن المصلحة الطبقية والوطنية.
وهذان العاملان باجتماعهما كانا المحرك الأساس في تحول الحركة النقابية والعمالية إلى رقم حقيقي في الخارطة السياسية والاجتماعية المتكونة، والفاعلة أيضاً.
مرحلة الصعود
لقد حقق العمال في مرحلة الصعود مكاسب كثيرة، يمكن أن نذكر أهمها:
تم تأسيس أداتها التنظيمية الفاعلة المعبرة عن مصالح الطبقة العاملة وهي الاتحاد العام لنقابات العمال، تنظيماً مستقلاً ديمقراطياً ومقاوماً لأشكال الهيمنة الحزبية كلها على قراره المستقل.
تمكن من انتزاع قانون للعمل يتضمن حق العمال في الإضراب المأجور، وهذا القانون خضع لصراع ضار داخل المجلس النيابي وخارجه حتى صدر، حيث كان الاتحاد العام يعقد مؤتمره الخامس وأعلن أثناءه الإضراب العام لحين تلبية مطالبه.
انتزع العمال حقهم في ثمان ساعات عمل، مع حقهم في زيادة الأجور بما يتناسب ومستوى المعيشة.
في مرحلة التراجع
مرحلة التراجع التي بدأت في نهاية الخمسينات، وهي مرحلة الهبوط في دور الحركة العمالية والنقابية، حيث هيمن الحزب الواحد على الحركة «الاتحاد الاشتراكي» وتحكم بقراراتها وحدد لها خطوطاً حمراً من خلال شعارات «اشتراكية» الشكل ولكن مضمونها رأسمالية الدولة، حيث استمر هذا الوضع إلى مراحل زمنية قريبة تغيرت فيها حتى تلك الشعارات إلى شيء آخر، يعبر عن المصالح الطبقية للطبقة السائدة التي لا علاقة لها بالإنتاج وتطويره والاستثمار فيه.
اقتصاد السوق وقوى النهب والفساد
لقد خسرت الطبقة العاملة الكثير من مكاسبها وحقوقها منذ تبني اقتصاد السوق، وأهم الخسارات تلك التي تمس أجورها الحقيقية، رغم الزيادة الشكلية على تلك الأجور خلال مراحل مختلفة، وتأتي الخسارات تلك ضمن التوجهات المستندة لتعليمات صندوق النقد والبنك الدوليين من أجل ترشيد الإنفاق وزيادة الموارد، وبهذا يحملون الطبقة العاملة مسؤولية الخسارة وضعف الموارد، وليس قوى الفساد والنهب التي يقدر اقتطاعاتها من الدخل الوطني ما يقارب الـ40%.
عمال الخاص يتساءلون ويحاورون
وقد طرح العمال المشاركين بالحوار تساؤلات على درجة من الأهمية وخاصة عمال القطاع الخاص، والتساؤلات هي:
1-ما هي الميزات التي تقدمها النقابات لعمال القطاع الخاص من أجل جذبهم نحو النقابات المفترض أنها تمثلهم؟.
2- كيف ستحمي النقابات حقوق العمال طالما هي والحكومة شركاء؟.
3-هل ستقف النقابات على الحياد من تحرك عمال القطاع الخاص من أجل تأمين حقوقهم وخاصةً أجورهم؟.
4-حق الإضراب للعمال لماذا لم تتبنه النقابات إلى هذه اللحظة؟.
وقد تم النقاش حول هذه التساؤلات والاستفسارات.
وتبقى هذه الأسئلة والاستفسارات وغيرها؛ من مفرزات الواقع العمالي بالمرحلة الراهنة، وهي بالإضافة إلى مشروعيتها، فهي واجبة النقاش للإجابة عليها من قبل الحركة العمالية عموماً، ونقاباتها على وجه الخصوص.
وقد اختتم اللقاء مع التأكيد على ضرورة مواصلة الحوار والنقاش بين العمال في القطاعين تعزيزاً لوحدة الطبقة العاملة والحركة النقابية، خاصةً في المراحل القادمة التي سيشتد فيها الهجوم على حقوق ومكاسب الطبقة العاملة، مما يتطلب تصليب وتطوير موقف النقابات في المواجهة مع السياسات الاقتصادية الليبرالية دفاعاً عن الوطن، ودفاعاً عن الحقوق المشروعة للعمال السياسية والاقتصادية والديمقراطية.