نمط توزيع الثروة هو المعركة الأساسية
هاشم اليعقوبي هاشم اليعقوبي

نمط توزيع الثروة هو المعركة الأساسية

قدم الرفيق النقابي هاشم اليعقوبي مداخلة في مؤتمر نقابة عمال الغزل والنسيج بدمشق، الذي عقد بتاريخ 2 شباط، وفيما يلي بعض المحاور التي تضمنتها المداخلة.

إن التراجع الحاصل لدور المنظمة، الذي بدأ منذ عقود، واستمر بالتراجع مع بدايات الألفية الحالية، اشتد وتسارع مع نجاح الحكومة بفرض سياساتها الاقتصادية الليبرالية، فتراجع وزنها ولم تنجح في كسب المعركة الأساسية ألا وهي نمط توزيع الثروة (نحن نشكل 80% من الشعب، ونحن من ننتج الثروة، وحصتنا من الناتج الإجمالي بأحسن الإحصائيات 20%) واكتفينا ببعض المكاسب في المعارك الجانبية هنا وهناك, السؤال هنا: متى سنعترف بهذا التراجع ؟ ومتى سنحلل أسبابه؟.

أضرار التعيين والتعميم

يجب البدء بإصلاح البنية التنظيمية، بالتوقف عن سياسة التعيين واللوائح المغلقة، لأنها تضعف استقلالية الحركة. ويمكن أن أضرب مثلا على ذلك وهو ما حصل في المجلس العام؛ حيث أن أحد المسئولون من خارج التنظيم النقابي هدد ومن على منبر المجلس (جبناكون بقرار، منفصلكم بقرار)، كما يجب أن نتخلى عن قرارات التعميم، وكمثال (قرار رفع اشتراكات الصناديق) بدون الرجوع لمؤتمرات النقابات، فأثقل هذا القرار على جيوب عمالنا في القطاع العام، وطفش الكثير من عمال القطاع الخاص, فلو أننا انتهجنا مبدأ الانتخابات في دورتنا الماضية لأصبحنا أكثر استقلالية، وفوتنا على الجميع فرصة مصادرة قرارنا، رغم أن نسبة كبيرة من العمال الذين عينوا تعيناً، كانوا مستعدين لخوض الانتخابات، وهم على ثقة بأنهم سينجحون بالانتخابات، ولكنا فوتنا عليهم هذه الفرصة وجعلناهم رهن التعيين.

من فمك ندينك 

سأعرج قليلا على قانون التشاركية، الذي ما هو إلا الوجه الناعم للخصخصة، التي هي مدمرة لاقتصاد الوطن ولمنتجيه العمال والكادحين، وسأقتبس من كلام رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي، الذي يعتبر عضواً بمجلس التشاركية حيث يقول فيما يخص العمالة: (يحق للمستثمر الأجنبي والعربي إحضار عمالته معه، ويحق لهم تحويل نصف أجورهم إلى الخارج وبالقطع الأجنبي, ويحق للمستثمر تحويل كامل إيراداته للخارج وبالقطع الأجنبي)، ويضيف (لن تفرض أية عمالة من القطاع العام على الشريك في القطاع الخاص، ولكن إذا رأى الشريك الخاص بأن هناك 10 أو 20 مهندساً أو عاملاً يستفيد منهم في مشروعه، فله الحق بأن يعرض عليهم، دون غيرهم، العمل معه. فيقومون بإنهاء عقدهم مع الجهة العامة ويتعاقد معهم هو وفق عقد جديد والجهة العاملة (تصطفل منها لعمالها). نحن لا ننتظر من المستثمر أن يستثمر بإنتاج المحارم أو الصناعات الخفيفة، بل أن يهتم بالمشاريع الثقيلة، كالجسور والطرقات والمطارات والأنفاق والمواني ... الخ.

هذا القانون باختصار لا يمكن السماح بتنفيذه أبداً، وسنقاتل من أجل ذلك. فمعاملنا ليست للبيع.

إسقاط سياسات الحكومة ومحاسبتها

سأبدأ بتذكيركم بأن سعر رغيف الخبز 7 ليرات، وقرص الفلافل ب 8 ليرات، والبيضة ب 35 ليرة، وبأن طبخة مجدرة لخمس أشخاص وجبة واحدة (حطة شيلة) تكلف بحدود ال 1000 ليرة، وبأن الحد الأدنى للأجور 16500 ليرة، وبأن أرباح شركات الخليوي يصعب تعداد أصفارها، وكذلك أرباح شركات الصرافة. كل ما أتحدث به ليس إلا جزءاً من توصيف واقع تعرفونه وتعيشونه، كما أنكم تعرفون بماذا تبرر الحكومة سياساتها الاقتصادية والنقدية، والتي دائماً تجد من يسوق لها، ودائماً الحجة ذاتها؛ لا يوجد إيرادات. هل حقاً لا يوجد إيرادات؟. 

إن حديث الحكومة عن نقص مواردها بات مستهلكاً ومكشوفاً بتضليله, فالحكومة التي تتخلى عن أجزاء كبيرة من إيرادات الخلوي لصالح بضعة مالكين, وتقوم بإعفاءات ضريبية عن كبار المكلفين, وتتجاهل محاسبة المتهربين من الضرائب, وتتغاضى عن التهرب الجمركي لكبار الفاسدين, لا يحق لها التذرع بنقص الموارد, فهي عملياً شريكة في هدر وإنقاص موارد الشعب السوري, ويجب أن تحاسب. نعم يجب أن تحاسب لا أن تفعل مثل حكومات سابقة، تفقر الكادحين وتخرب الاقتصاد وتصنع وقود الأزمة (وتنفد بريشها)، وما زلنا إلى اليوم ندفع ثمن ما فعلوه غاليا. وعلى حركتنا النقابية الكف عن معارضتها لسياسات الحكومة ومناقشتها، بل عليها أن تقول لها كفى، فلا أحد قادر على ذلك غيرها. يجب على حركتنا النقابية إسقاط هذه السياسات فوراً، بالطرق المشروعة والقانونية كلها. وأن تنتقل من الدفاع الخجول للهجوم، لكي توقف هذا الإفقار الممنهج للطبقة العاملة، فإن كانت البلاد في حرب، كما يقولون، فأين اقتصاد الحرب؟، وإن كانوا يشجعوننا على الصمود، فسنقول لهم لا نسمح لأحد أن يزاود على الطبقة العاملة، فتاريخها النضالي الوطني يشهد لها، ونحن نقبل أن نحمل السلاح وأن نموت جوعاً من أجل الوطن، ولكن لن نقبل أن نموت جوعاً أو برداً كي يغتني الأغنياء ويتورم الفاسدون. وأريد أن أنقل بصدق تلمسنا لحالة الاحتقان الشديد، التي تزداد يوماً بعد يوم عند العمال، احتقان لا يعلم غير الله به متى ينفجر. ومن حرصنا على دور النقابات، وعلى وجودها ووحدتها، نطلب أن نتخذ موقفاً موحداً وكبيراً وبوسائل مادية ملموسة ضد هذه السياسات. والسؤال الآن: يا ترى إذا خرجت الحكومة علينا بالأيام القادمة بقرارات جديدة تسلبنا آخر رغيف خبز نقيت به أطفالنا، ماذا سيكون ردنا؟ هل سنكتفي كنقابات بمعارضة القرار، وشرح تداعياته والكتابة عنه في صحفنا، وإن كان هذا خيارنا فعمالنا لن يكتفوا هذه المرة بما نفعل، ولتكن لنا عبرة فيما حصل بالماضي القريب وشكراً.