التسوُّل في ظل الأزمة.. نمو متسارع بلا حلول
تعتبر ظاهرة التسول من الظواهر البشعة الآخذة بالتوسع والانتشار الملحوظ في المدن والشوارع السورية، ولاسيما خلال فترة الأزمة الصعبة التي تعاني منها البلاد منذ سنة ونصف حتى الآن.
ومن المنصف القول إن ما يحدث في سورية الآن أصبح يساعد على انتشار هذه الظاهرة وتفاقمها بدرجة كبيرة، فغياب المعيل في بعض الأسر نتيجة القتل أو الاعتقال ناهيك عن الفقر الشديد والبطالة وتدمير موارد الرزق والمحلات ونزوح الآلاف كلها ظواهر وأسباب ساهمت بالنتيجة في زيادة استعصاء واستفحال مشكلة التسول، فالتسول بطبيعة الحال مهنة الفقراء والمهجرين والعاطلين عن العمل وهو ليس بحاجة لرأس مال، فرأسماله هو التخلي عن الكرامة والقبول بالذل والإهانة، وهو لا يحتاج لموظفين لأن المتسول يوظف أفكاره في غزو قلوب الناس واللعب بعواطفهم، ولا يحتاج إلى مقر لأن جميع الشوارع والمقاهي والأزقة والحدائق هي مقر للمتسولين حينما يريدون.
إن ما يدور في شوارع دمشق مؤخراً أصبح أشبه بمأساة، فنحن أينما سرنا على سبيل المثال نصادف هؤلاء المتسولين أمام المطاعم وأثناء خروجنا من المساجد على أبواب الحدائق وأمام المدارس وإشارات المرور في الساحات والشوارع، والسواد الأعظم منهم يكون من النساء والأطفال ما يجعلنا نتألم ونتعمق في التفكير، فمهنة كالتسول قد تؤدي في المستقبل إلى أشياء أكبر وأشد خطورة كالدعارة والسرقة وصولاً إلى الإجرام ومشاكل وأمور خطيرة معروفة لا مجال لذكرها.
والتسول لا يقتصر على الناس العاديين فقط فهو يشمل المعاقين والمشلولين والمصابين خلال الأحداث الماضية، فياسر مثلاً شاب مصاب بالشلل منذ الصغر وهو عاجز عن العمل وهو مضطر للتسول لكسب لقمة العيش حسب قوله. وأم محمود عجوز فقدت زوجها خلال الأحداث دون أن يترك لها مصدر رزق لتعيش منه هي وأطفالها الخمسة المشردون معها في الحدائق، وأبو أحمد لا يستطيع المشي لأنه مصاب بمرض الكساح، ويقول: أحد أقربائي يحضرني هنا إلى جوار المقهى أو قصر العدل ويتركني على الرصيف أتسول، قبل أن يعود مجدداً لأخذي إلى البيت.
ومن الملاحظ في الفترة الأخيرة أن ظاهرة التسول أصبحت منتشرة ومتنامية إلى حد الجنون حتى أن الشارع السوري أصبح يتضايق منها وبشكل كبير، ولاسيما أن الكثيرين من المتسولين أصبحوا يتسولون بشكل مباشر أو تحت غطاء تقديم خدمات بسيطة مثل مسح الأحذية وبيع البسكويت وتنظيف زجاج السيارات أثناء توقفها عند الإشارات المرورية.
أبو محروس رجل كبير في السن من حلب يقول: إن جدار المنزل قد سقط أثناء القصف وقد تعرضت ابنتي للإصابة وهي في المشفى الآن ولا أملك من النقود شيئاً.. لذلك تراه يبيع البسكويت أمام مقهى الباشا في دمشق والرزق على الله حسب قوله.
وهناك حالات أخرى للتسول كما يقول ع. م ، فأحد جيرانهم يجبر زوجته على الجلوس مع أطفالها في وضعية مهينة تثير الشفقة وذلك للحصول على المال بسهولة.
ما هو الحل؟ الحل ليس في المطاردة والتوقيف فا لكثير من الناس الآن بحاجة إلى لقمة العيش فعلاً، فالحل الناجح لمثل هذه المشكلة ليس هو الاعتقال بل في محاربة أسباب التسول والتي أصبحت عديدة في سورية وفي مقدمتها الفقر الشديد والبطالة وتشريد العائلات وتهجيرها، بالإضافة إلى ذلك على الدولة أن تلعب دوراً فعلاً في تعزيز دور المؤسسات الاجتماعية الرسمية والخاصة كي يكون باستطاعتها مساعدة المشردين، وما أكثرهم في الوقت الحاضر، والمحتاجين فعلاً وخاصة المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة¡ وينبغي أن لا تقتصر المساعدة على المساعدة المادية فقط بل يجب أن تشمل تعليم الأطفال المحرومين من التعليم ومحاولة تعليم حرف بسيطة للفتيات الصغيرات والعمل بجد لحل مشكلة البطالة ومساعدة العاطلين عن العمل على إيجاد فرص عمل حقيقة، لعلنا بذلك نتجاوز الكثير من مشاكلنا وننهض بالوطن ونضمن مستقبلاً أكثر إشراقاً لسورية.