إضاءة على حقوق عمال تشكيل المعادن
هاشم يعقوبي هاشم يعقوبي

إضاءة على حقوق عمال تشكيل المعادن

تعمل شريحة من العمال في مهنة - البلص - تشكيل المعادن بالمعامل والورشات المنتشرة في دمشق القديمة ،ولهؤلاء العمال ظروفهم الخاصة رغم اشتراكهم مع أقرانهم بالأوضاع الكارثية العامة لعمال القطاع الخاص غير المنظم في البلاد وسائر الطبقة العاملة وأصحاب الأجور.

مهنة تشكيل المعادن - البلص - من المهن القديمة التي انتشرت وتوسعت في دمشق فورشات الشاغور والسويقة و مناطق أخرى غيرها تعج بمئات العمال الذين يعملون وفق ظروف هذه المهنة وقانون أرباب العمل حيث إنهم لا يخضعون كعمال لأي قانون ينظم علاقتهم بصاحب العمل ليتفرد قانون السوق المسيطر عليه من قبل اصحاب العمل بوضع صيغة العلاقة وشروطها كافة على مبدأ العرض والطلب، وربما لا يعلم الكثيرون بعض منتجات هذه المهنة من مصبات القهوة العربية النحاسية والاراكيل وأوعية الثلج والصواني النحاسية منها والمصنعة من مادة –الستانلس- الصلب ولكل منتج منها مراحله الخاصة وطريقة بإخراجه بشكله النهائي ولكن تبقى المرحلة الأساسية المشتركة بينهم هي مرحلة البلص التي تشكل المادة المعدنية الأولية فيما تأتي المراحل المكملة من اللحام والنقش والرسم والتلبيس أقل صعوبة وخطورة وقسوة.
يعتبر عامل البلص هو الأهم على الاطلاق كون ذلك يتطلب قوة بدنية كبيرة وخبرة متراكمة، فالتعامل مع مكنة البلص الضخمة وتطويع المعدن بقلم البلص بالتزامن مع حركة دوران القالب السريعة جداً تفرض على العامل أشد جهد وأعلى تركيز ممكن - فالغلطة بكفرة - سواء بضرب المنتج وتشريكه، أو من خلال إصابة العامل خاصة في حال كانت المادة المستخدمة مادة معدنية قاسية كالستانلس، من هنا يبقى النحاس الأصفر المستورد هو الأفضل والآمن في الاستخدام والتصنيع.
 ينظر لعامل البلص على أنه العامل الأعلى أجرا والأكثر دلالا، وطبعا هذا من حيث الشكل كما يظن العاملون بهذه المهنة بأن البليص محظوظ فهو يعمل على حسابه أي على القطعة المنتجة، وهو من وجهة نظرهم العامل المدلل الذي لا يلتزم بدوام منظم كغيره من العمال في أقسام أخرى وهو صاحب الأجر الكبير الذي يعادل ضعفي راتبهم وبأن الطلب على  اختصاصه يصب في مصلحته لقلة هذا الاختصاص المهني الذي يحتاج لصفات خاصة، ولكن من حيث المضمون فإن ذلك مختلف بشكل بعيد عن الشكل فعامل البلص هو الأكثر تعرضا للإصابة التي قد تصل أحياناً للعجز الكامل بإحدى يديه، وطبعاً فرب العمل قد يداوي جراحه ويؤمن أدويته لفترة ثم يتركه لربه الذي لن ينساه، أضف على ذلك  فإن جزءاً كبيراً من أجره -المحسود عليه- يصرفه على المسكنات والفيتامينات والمراهم ويحتاج كل يوم لحمام ماء ساخن، يكلفه في هكذا أيام الكثير من المصاريف وعلى نوعية خاصة من الطعام التي تعتمد على البروتين الحيواني من لحوم وحليب وبيض بشكل أساسي، كي يعوض مصروف طاقته العضلية كما أنه يحتاج للكثير من الراحة والصفاء الذهني كي يكون قادرا على العمل في اليوم التالي، لذلك تكثر عطل عمال البلص التي قد تصل لعشرة أيام في الشهر، وأما المستفيد الأكبر من كل ما سلف فهو صاحب العمل الذي يبيع منتجاته ليس للسوق المحلية وحسب بل لأغلب الدول العربية  وبالعملة الصعبة، وليجني أرباحه على أكتاف عمال البلص وزملائهم الذين لا تقل ظروفهم قسوة عن زملائهم البليصة.
دخلت العاملات النساء لهذه المهنة بشكل كبير، وخاصة مع بدايات الأزمة طمعا من أرباب العمل أن يخفضوا كلفة إنتاجهم، كون النساء أجورهن أقل من العمال الرجال وضرورة سفرهن أقل وكونهن لا يذهبن للخدمة الألزامية  فتجدهن في مراحل تلحيم القطع المعدنية والتلبيس والتنظيف والتلميع والتغليف، وأصبحت هذه المعامل والورشات يغلب عدد العاملات على العمال الذكور كما أن الأطفال والفتية يتواجدون بكثرة مما يفسح المجال لرب العمل باختيار بعض الفتية ذوي البنية الجيدة ليدفع بهم لتعلم البلص على المكنات والمكابس الضخمة، كي يزيد من أرباحه الكبيرة أصلا غير عابئ بخطورة تعاملهم مع هذه المهنة مقابل أجر زهيد لا يتعدى 70 ليرة لساعة العمل الواحدة، شأنهم شأن النساء العاملات، وكي يتخلص من أجر معلم البلص الذي يتجاوز الـ 300 في الساعة ليضيف قيمة أخرى على أرباحه، وليمارس هوايته بالشكوى من الظروف القاسية للإنتاج من غلاء المازوت من أجل مولد الكهرباء ومن ارتفاع صرف الدولار وأجور نقل البضائع والمواد الخام وليمنن عماله ليس  بأجورهم، وحسب بل برحمة الله وتوفيقه بأنه مازال مستمرا بالإنتاج فلولا أن الله سخره لعماله وعائلاتهم لكانوا من المشردين، والحقيقة عكس ذلك فكل ما يذكره في شكواه هو غطاء كي لا يرفع أجور عماله للحد الذي يجعلهم لا يحتاجون أحداً.