عمال الأفران بلا عقود.. ضحية السماسرة
تعد ظاهرة بيع الخبز خارج الأفران على البسطات وفي محلات السمانة ظاهرة بدأت وانتشرت مع بداية الأزمة واستمرت معها ولم تفلح المحاولات الخجولة لحل هذه المشكلة ليس لأنها عصية على الحل بل لأن من أراد حلها لم يبدأ بحل الأسباب الحقيقية والتي من منها واقع عمال الأفران المعقد والمستمر.
تتشابه ظروف وأوضاع عمال الأفران بشكل عام وتبقى لكل فئة أو مجموعة عمال في فرن ما خصوصية في تفصيل هنا وجزئية هناك ولكنهم في المجمل يعانون من ظروف عامة، وهم في الهم سواء، وإن تناولنا فئة فبالإمكان تعميمها على جميع الفئات الأخرى لأنهم ببساطة الأمر هم عمال غير منظمين وهم جزء من الطبقة العاملة الوطنية والذين يصنفون بأنهم عمال القطاع غير المنظم هم عمال بلا قانون عمل ينظم علاقتهم مع أرباب عملهم وبلا تأمين صحي أو مهني أو اجتماعي وبلا تنظيم نقابي يتابع شأنهم ويحمي مصالحهم هم عمال خاضعون لقانون السوق الذي رسمه عرابو الليبرالية الاقتصادية وأسموه بالاجتماعي ذلك القانون الذي يستند على مفهوم العرض والطلب ليس على السلع وحسب بل على الأيدي العاملة أيضا، فراكم أرباح الرابحين وضاعفها وأضر بأصحاب الأجور وافقرهم.
الحكومة تشغل عمال بلا حقوق
يشتغل عشرات آلاف العمال بالأفران العامة والخاصة وإذا تناولنا عمال الأفران الاحتياطية كمثال، فهؤلاء العمال على رأس عملهم دون أي نوع من أنواع العقود القانونية بينهم وبين مشرفهم الذي يعين من قبل لجنة المخابز الاحتياطية بصلاحيات شبه كاملة ويحاسب ماليا وفق كمية الخبز المنتجة ولا تعترف لجنة المخابز على أي شان يخص عمال أفرانها، بل تقتصر على صيغة علاقتها بمشرف الفرن وحسب، ليقع العمال تحت رحمة المشرف وقانونه الخاص والملزم لهم، فهو من يحدد قيمة الأجر وساعات العمل وتقسيم العمل ويحق له تشغيل من يشاء وطرد من يشاء ويقوم بالحسومات على الاجور ومراقبة الجودة وغير ذلك، فيقوم بتشغيل عمال مياومين عشر ساعات عمل متواصلة للوردية الواحدة فعمال الأفران ينقسمون لورديتي عمل إحداهما نهارية والأخرى ليلية أي أنه يأخذ موقع رب العمل ووظيفته من هذا الجانب دون أن يتحمل مسؤولياته الأخرى اتجاه عماله من حيث التأمين عليهم من الإصابات والأمراض المهنية والعجز والوفاة والشيخوخة وتهيئة ظروف عمل جيدة والى ما هنالك من واجبات رب العمل. وإن كان القانون - والذي هو مدار بحث وخلاف – قد أجاز للجهات العامة في الدولة استخدام العمال المياومين فإن نتائج هذه المادة القانونية قد أثبتت عدم صحتها وأوجبت على الجهة المشغلة لهم وعلى التنظيم النقابي الإسراع بإنجاز قانون أو مرسوم يصب في مصلحة هؤلاء العمال وعلى رأسهم عمال رغيف الخبز القوت الأساسي للسوريين.
من الأحق بالمحاسبة ؟
ينقسم العمل في الفرن لعدة مهام عامل النخالة والعجانة والقصاصة وعامل الوزن وعامل البسطة ولا يتجاوز أجر العمل اليومي الألف ليرة يومياً فيما يمتاز عامل البسطة بأجر أكبر كونه يتحمل مسؤولية مالية إضافة لمهام البيع والتربيط فهو المسؤول عن الصندوق بشكل كامل أمام المشرف ويحاسبه وفق كمية الطحين الداخلة في الإنتاج اليومي، وعليه أن يتحمل أي نقص في الصندوق كما يستفيد من الزيادة إن وجدت طبعا عكس واقع المشرف الذي يربح بشكل يومي من خلال عشرات الابتكارات التي تسمح له بجني الكثير بطرق ملتوية، لسنا في صدد التوسع بها، وإذا نظرنا لقيمة الأجر الذي يتقاضاه العمال، والذي لن يكفي الحد الأدنى الضروري للمعيشة نرى كيف يحاول العمال أن يحدوا من مصروفهم اليومي وخاصة الاستغناء عن دفع أجور النقل حيث ينام أغلب العمال في أفرانهم، ويذهبون لعائلاتهم بعطلة الفرن الرسمية كونهم من سكان الأرياف أو سكان المدن والمحافظات القريبة الأخرى ولكن يبقى المصدر الذي يعتمد عليه عمال الأفران في تحسين أجورهم هي تلك العملية التي نشأت بينهم وبين بائعي الخبز على البسطات والمحلات حيث يؤمن كل عامل لزبونه عشرات الربطات مقابل عمولة محددة قد تصل لألف ليرة أخرى يومياً ولا يستطيع عامل البسطة منع هذه العملية خوفا من أن يقوم العمال الآخرون بأفعال تؤدي لعجز الصندوق كإهدار الطحين مثلا، وإن كان هذا السلوك الذي يقوم به العمال –السماسرة- لا يمكن تبريره فالأحق أن تتحمل الحكومة مسؤولياتها اتجاه عمال الأفران الذين طالت مظلوميتهم، وأن تسارع لسن قوانين ومواد قانونية تنظم عمل هؤلاء العمال وتنظم علاقتها بهم وتضعهم تحت مظلة التأمينات الاجتماعية أسوة بعمال القطاع العام والخاص المنظم، وأن تتحرك النقابات لتنظيمهم والدفاع عنهم وعن حقوقهم، لا أن تكتفي بلجنة نقابية محسوبة عليهم، لا يعنيها أمرهم فهل يعقل أن نترك عمالنا في ظروف كارثية وفي متناول الفساد.