(حرفة بشنطة)
تعرضت الحرف اليدوية في سورية لهزات متلاحقة خلال العقد الأخير، وأدت إلى انكفاء الحرفيين وإغلاق ورشهم، الأولى كانت مع البدء بتطبيق السياسات الليبرالية التي أدت إلى إغلاق آلاف الورش الصغيرة والمتوسطة، كما أدت الحرب إلى تدمير عدد كبير من الورش والمحلات التي كان يعمل بها عدد لا يستهان به من أصحاب المهن اليدوية، والتي كانت تعمل بدون أي شروط بقطاع هامشي وبأبعاد وأعداد كبيرة.
يعاني ما تبقى من الحرفيين اليوم من واقع لا يحسدون عليه، فالغالبية العظمى من هذه الشريحة لا تستطيع تأمين قوت يومها وأجر عمالها، فنتيجة غلاء أسعار المواد الأولية، وتردي الأوضاع المعيشية لغالبية الشعب السوري أصبح الناس يستغنون عن خبرة هذا المهني أو ذاك، ويذهبون للقيام بإجراء إصلاحات بدءاً بأنفسهم «سكاجة» أو حتى ترك العطل إلى أجل غير مسمى، مما انعكس سلباً على أصحاب هذه المهن، كما أن ارتفاع أسعار العدد الصناعية وانخفاض أجر صاحب المهنة اضطر «المعلم» لتقليل عدد العمال لديه وتخفيض أجورهم تباعا، وحديثنا هنا عن الحرفي الذي مازال يعمل في ورشته، فهنالك أيضاً حرفيون قد تدمرت ورشهم ودخلوا كغيرهم في عداد البطالة والفقر، كما تمكن بعض الحرفيين من انقاذ معداتهم ونقلها معهم عند نزوحهم، واتخذوا لأنفسهم ورشاً في المناطق الآمنة، ولكن ما نلمسه من حركة الحرفيين أنه يوجد عدد كبير من الحرفيين ممن يعملون على الطلب عبر «الهاتف»، بعد أن دخل هؤلاء الحرفيون في البطالة فمنهم من استطاع شراء معدات عمل جديدة وتواصل مع زبائنه القدامى أو وزع رقمه على أبواب المنازل.
كما ابتكر الحرفيون طرقاً جديدة في تقسيم العمل، بحيث يجتمع عدد من الحرفيين الذين يعملون في مهن مختلفة ومترابطة بالوقت نفسه، ويطبعون أوراقاً عارضين فيها خدماتهم وبأسعار مخفضة، ليتنقلوا بين المنازل لتلبية طلبات الإصلاحات بشنطهم، ناهيك عن الحرفيين الذين أصابهم الإحباط جراء الوضع المعيشي المتردي والبطالة فتركوا مهنهم مرغمين، وهاجروا ليعملوا في الخارج مستفيدين من التسهيلات التي تقدمها بعض الدول لأصحاب المهن اليدوية كـ عمال الحدادة والبناء وتصليح السيارات وغيرها من المهن التي أبدع بها السوريون.
إن هذه الحرف رغم بساطتها تشكل جزءاً مهماً من الاقتصاد السوري، كما أنها من جهة أخرى كانت تمتص عددا كبيراً من الأيدي العاملة، لذلك كانت مصدر رزق لأعداد كبيرة من الأسر، لذلك كانت السياسات الليبرالية والحرب العاملين الأساسين لتحويلهم إلى لاجئين أو حطب لإشعال الأزمة.