العمال في العيد... عجز وحرمان
يستقبل العمال عيد الأضحى الجديد بحال أسوأ من كل الأعياد التي سبقت العيد الأضحى الحالي، فالأجور تفقد قدرتها الشرائية يوماً بعد يوم، والأسعار تحلق، متحررة من قانون الجاذبية، لتفرض على الطبقة العاملة وضعاً معيشياً كارثياً، كل ذلك بفضل التناغم والتنافس الحاصل ما بين الحكومة وأرباب العمل على سحب ما تيسر لهم من جيوب العمال والعاملين بأجر كافة.
يأتي عيد الأضحى هذا العام بالتزامن مع بدء العام الدراسي، ليرفع كمية الحاجات الضرورية التي تحتاجها الأسرة العمالية السورية، في ظل استمرار التدهور المعيشي للطبقة العاملة، و ليجد العامل نفسه في مأزق جديد، ومعادلة رياضية حسابية غير قادر على حلها، لا باستخدام الطرق التقليدية التي عادة ما يستخدمها بحكم التراكم الكبير بخبراته، ولا بالطرق الإبداعية التي غالباً ما يخترعها بشطارة متناهية، إذا ما اصطدم بظروف جديدة، فالمسألة الحسابية الحالية تبدو عصية على الحل، شأنها شأن المسائل التي سبقتها، فتداعيات مصاريف رمضان وعيد الفطر وموسم المونة المنزلية، لمّا تزل حتى الآن ترمي بآثارها على كاهل الأسرة العمالية المنسية ، فالحفرة التي هم عالقون فيها عميقة جداً هذه المرة.
من هموم الرغيف لحديث السياسة
ما إن تقترب مناسبة جديدة، أو موسم جديد، حتى يدخل العمال في دوامة الحسابات و«يتوضون باللبن» وتبدأ النقاشات بين العمال لتبادل المعلومات والفرضيات، علهم يجدون حلولاً لمشكلتهم المعقدة، والتي غالباً ما تنتهي بإعلان عجزهم عن حلها، فسعر الحاجات المعيشية الضرورية المفروضة عليهم، تساوي خمسة أضعاف أجرهم المنتظر، فيلجؤون للدعاء على من تسبب بوصولهم لهذه الحال البائسة، من هذه النقطة تحديداً تبدأ النقاشات لتأخذ منحاها الطبيعي، فتبدأ التحليلات السياسية والاقتصادية التي غالبا ما تصل بنتائجها للأسباب الحقيقية لمعاناتهم، والحلول الواقعية لأزمتهم، فيربطون الخاص بالعام، والمحلي بالدولي، ويتوافقون دون عناء يذكر، على أن خلاصهم لن يتحقق إلا بانتهاء الأزمة، وإحداث تغيير جدي يفك الارتباط ما بين إجراءات الحكومة التي خبروها تماماً من جهة، واستغلال رب عملهم القابع في المكتب يراقبهم عبر كاميراته الموزعة هنا وهناك، وكأنه فرع أمن إضافي من جهة أخرى.
الحكومة تلقم وأرباب العمل يطلقون
لم تصدر الحكومة أية قرارات تصب بأي شكل من الأشكال في مصلحة العمال المأجورين في الآونة الأخيرة، ولا طوال الفترة السابقة، في استمرار واضح وفاضح لسياسات نظيراتها الاقتصادية الليبرالية، التي تولت رقبة العباد منذ بداية القرن الماضي، ولم تشفع الأزمة المقتربة من عامها الخامس لشريحة أصحاب الأجور، بل على العكس تماماً، فقد بدت وكأنها الوحيدة التي أجمع الجميع على عصرها لآخر نقطة، فلا قرارات عن زيادة أجور حقيقية أو إعفاء ضريبي عادل للدخل أسوة بأرباب العمل، ولا تبني لفكرة السلة الاستهلاكية المباشرة، أو حتى مرسوم منحة مالية موسمية تخفف عنهم ولو قليلا مما يعانون، مما سهل على أرباب العمل اقتناص الفرص التي خبروا اقتناصها بحنكتهم المعهودة، فإذا الحكومة ذاتها قد رفعت سعر رغيف الخبز، وهي الحكومة.. فلا بأس عليهم ببعض الأرباح الإضافية من عرق عامل هنا وعاملة هناك، على مبدأ «ما حدا أحسن من حدا» فتارة يعرضون على عمالهم عشرات ساعات العمل الإضافية دون زيادات، أو يدفعون بهم لبعض أعمال العتالة كي يوفروا تكاليفها العالية ويدفعونها ليرات قليلة كبقشيش لعمالهم تارة أخرى، مستغلين مسؤولية العامل اتجاه أسرته التي يعيلها، فَجُلّ ما يفكر به في هذه الفترة، تأمين قرطاسية أولاده وحذاء العيد لهم، فعائلته تعاني من حرمان شديد يعجز عن إنهائه مهما بذل من عرق ودم.
بضع ليرات وقطعة لحمة
يستقبل أرباب العمل عيد الأضحى بابتساماتهم العريضة، وتهف قلوبهم لنسمات جبل عرفة، فيوم عرفة وعيد الأضحى مناسبة ينتظرها بشوق كي يجدد شكره للرزق الإلهي الذي نزل عليه بالعملة الصعبة هذه الأيام، فيجهز الأضاحي، ورزمة الآلاف، كي يشارك عماله الذين نهبهم طوال السنة عطلة العيد، وفي اليوم الموعود وهو يوم الوقفة، وبعد أن ينظف العمال معاملهم وآلاتهم أو مشاغلهم وورشاتهم، يقوم بتوزيع الأجور على عماله مضافاً إليها بضعة آلاف كعيدية وقطعة لحم من أضحية العيد، فاليوم بالنسبة لرب العمل يوم طاعة وكرم وتضحية، ليعيد لعماله جزءاً صغيراً من حقهم المسلوب، ويمن عليهم بدون أدنى خجل بقطعة لحمة هي من لحم أكتافهم، وهو ذاته من حرم عماله منها طوال السنة بشعائره الربحية، وأجوره الشحيحة، وليسجل في نهاية المطاف مجمل ما دفعه من ثمن الأضاحي والعيادي، على دفتر حساباته تحت بند الزكاة السنوية، وكل عام وأنتم بخير.