أين مصلحة العمال في التعديلات المقترحة للقوانين؟
من المعروف أن لكل تشريع جديد أسبابه الموجبة، وهي الدوافع التي تبرر إصدار قانون جديد، أو تعديل قانون قديم، وغالباً ما توضّح الأسباب الموجبة، والمصلحة العامة التي تبتغيها الجهة التي تقترح إصدار التشريع الجديد.
ما هي أهم مبررات تعديل القانون الأساسيّ للعاملين رقم 50، التعديل المقترح لقانونيّ العاملين والعمل والتأمينات الاجتماعية، هنا السؤال: مَن يضع الأسباب الموجبة لهذين التعديلين؟ وما المصلحة العامة من وراء التعديل؟ ومن الجهة التي ستبرر لممثلي الشعب في مجلسهم ضرورة إصدار هذين التعديلين؟ وكيف سيؤدي إنجاز التعديلين المقترحين إلى تحقيق المصلحة العامة، وإن كانا ينتقصان من حقوق خمسة ملايين عامل وموظف وعائلاتهم، أيّ أكثرية الشعب السوري؛ ويصبّان في مصلحة أرباب العمل، وزيادة أرباحهم، وإحكام قبضتهم على الطبقة العاملة السورية، بعد أن تفردوا بالسيادة على الأسواق المحررة من تدخل الحكومة، حيث يعاني الناس كلها من انفلات الأسعار وجشع بعض تجار الأزمة.!
أسئلة بحاجة لأجوبة!!
السؤال الذي يطرحه كل عامل: هل سيضع الاتحاد العام لنقابات العمال هذه الأسباب الموجبة.؟ وهو الذي يحذر من مخاطر التوجه الاقتصاديّ الحاليّ المعلن، وهو اقتصاد السوق غير المنضبط وغير الاجتماعيّ، ويصر على عدم المساس بحقوق العمال ومكاسبهم التي حصلوا عليها بعد نضال طويل وشاق، ويرفض مبدأ «العقد شريعة المتعاقدين» لأنه يعدّ نوعاً من عقود الإذعان، إذ تنتفي النديّة بين طرفي هذا العقد، فطرف يمتلك كل شيء، وآخر لا يمتلك إلاّ قوة عمله.
هل ستقوم مؤسسة التأمينات الاجتماعية بوضع الأسباب الموجبة للتعديل؟ وهي التي تطالب يومأ بعد يوم بعدم تخفيض حصة رب العمل من اشتراك عماله في المؤسسة من 17% إلى 10% من أجور العمال كما يقترح التعديل، وتبرهن من خلال الصحف الرسمية، أن مبررات هذا التخفيض غير صحيحة، وحصة أرباب العمل لا تشكل عبئاً عليهم لأنهم ببساطة شديدة يعدونها من ضمن تكاليف الإنتاج، ويسعّرون سلعهم بعد إضافة هامش الربح على مجمل هذه التكاليف.
تجاهل معارضة العمال
ما هي المصلحة العامة التي يسعى إليها التعديل المقترح؟ هل هي تخفيض تكاليف الإنتاج، على رب العمل، ليخفض هو أيضاً أسعار السلع، وتتحسن القدرة الشرائيّة للمواطن السوري؟!.
إن الوقائع على الأرض تدحض المبررات، فقد سبق أن خفضت الحكومة نسب الرسوم الجمركية على مستلزمات الإنتاج الصناعي، وأعفت الصناعيين من عشرات الرسوم التي كانت مفروضة عليهم سابقاً، وخفضت الضريبة على الأرباح البالغة أكثر من 65%، إلى 28%، لكن أسعار السلع لم تنخفض..! بل الذي حصل هو العكس تماماً ، فقد عانى المواطن السوريّ من ذوي الدخل المحدود، وما زال يعاني أزمات غلاء متلاحقة كادت أن تحوله إلى «شحاذ على باب الله» في حين تتكدس الثروات بأيدي القلة التي تقود عمليات الاستثمار، والأعمال، والصفقات، وتتباكى بعد ذلك من ارتفاع حصتها عن اشتراك عمالها في مؤسسة التأمينات الاجتماعية، التي تتكفل برواتب العمال التقاعدية، وتعويضات إصابات العمل ، وتعويضات الوفاة لأكثر من أربعة ملايين عامل.!
هناك من يخشى الإصلاح السياسيّ والاقتصاديّ القائم على التعددية السياسية والاقتصادية، ويراهن على إعادة هيكلة الاقتصاد السوريّ وفق النظام الرأسمالي، هناك من يحاول تسريب اليأس إلى نفوس المواطنين السوريين بتجاهله لأزماتهم، هناك من يخشى الإصلاح لأنه يحد من الفساد، ويضيق الفرص أمام انتشاره، فيلجأ إلى عرقلة إجراءات مكافحته، ويبتدع طرقاً جديدة ليجعل من الفساد معضلة سورية يستحيل الخلاص منها.
هناك من يسعى إلى تحويل التعديل المقترح على القانونين إلى معركة لَيِّ ذراع ..! تمهيداً لمزيد من التنازلات لمصلحة أرباب العمل .. والأثرياء.. والمستثمرين، الذين مازال بعضهم يتهرب من دفع الضرائب رغم تخفيض أعبائهم الضريبية، ويحاول البعض الآخر الالتفاف على القوانين لتخفيض الرسوم الجمركية على مستورداته.!
ما المطلوب من التعديل؟
تتسارع التحضيرات لإطلاق قانون العاملين الجديد.. والمؤشرات الأولى في المشروع المطروح للإقرار لا تبشر بالخير، حيث اللجنة غير معروفة، ولم تنشر مسودة التعديل.
وفي موضوع قانون العمل الأمر نفسه ، ففيها بالمحصلة تراجع هام وواضح عن مكتسبات حققتها الطبقة العاملة خلال العقود الماضية، والأكيد أن التراجع عن هذه المكتسبات لن يفيد لا الطبقة العاملة، ولا أرباب العمل (من قطاع عام وخاص)، ولا الاقتصاد الوطني بنهاية المطاف.. وإذا كنا لا نريد التوقف عند الجانب المعنوي للموضوع الذي فيه هدر كبير لكرامات الناس، إلاّ أن التوقف عند الجانب المادي هام جداً، فمكتب التشغيل سيقوم عملياً بتوقيع عقدين؛ واحد مع رب العمل؛ وآخر مع صاحب قوة العمل، وتتحدد في هذا العقد كل شروط العمل وأولها الأجر.. ومن أين سيربح مكتب التشغيل؟ الواضح أنه سيربح من فارق العقدين، أي من حصة العامل نفسه.. فهل نحن بحاجة إلى حلقة طفيلية إضافية على قوة العمل من أجل تنظيم توزيع الموارد البشرية؟!.
كرامة العامل
إن قانون العمل الجديد يجب أن يسير باتجاه الحفاظ على مكتسبات الطبقة العاملة، وليس التراجع عنها تحت ستار كثيف من القنابل الدخانية، التي تتباكى على الاقتصاد الوطني والنمو، وضرورة جذب الاستثمارات من الخارج.. إن الاستثمار الأهم كان دائماً وما يزال هو الاستثمار في البشر أنفسهم، وليس استنزافهم.. وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن..
بتصرّف عن «سيريا هوم نيوز»