من الأرشيف العمالي: ما هكذا يتم التمويل!

بينما العدد ماثل للطبع اليوم جرت زيادات في الأسعار, تلت صدور مرسوم زيادات الأجور, وكانت الافتتاحية مصاغة على أساس تأكيدات السيد وزير المالية الاثنين على شاشة التلفزيون السوري, والتي أعلن فيها أن الزيادة على الأجور حقيقية, وأن تغطيتها ستتم من وفورات الموازنة, وهو ما نص عليه المرسوم نفسه القاضي بزيادة الأجور, ولذلك فإن الافتتاحية بصيغتها السابقة كانت مؤيدة لهذه الزيادة ولطريقة تمويلها المعلنة التي استبشرنا بها خيراً, والتي خاب الأمل بها لاحقاً. ولكن التطورات الأخيرة اضطرتنا لتعديل تقييمنا لها. فقد زادت أسعار البنزين والمازوت  والغاز كما زادت تعرفة المياه دون الإعلان عن ذلك في وسائل الإعلام حتى حينه, وهذا كله يدل على أنه ستبداً سلسلة ارتفاعات في الأسعار يستحيل التحكم بها بقرارات إدارية, فالمواد التي أسعارها هي مواد إستراتيجية, وتدخل عملياً في تكلفة كل المواد الاستهلاكية والمصنعة بنسبة عالية.

وهذا يعني أن الزيادات الحالية ستبتلع عملياً الزيادة السابقة والحالية للأجور, أي أن مستوى المعيشة سيهبط فعلياً عن المستوى الذي كان عليه قبل الزيادة الأخيرة.!
واللافت للنظر والغريب، أن الزيادات الأخيرة في الأسعار تناقض وتخالف المرسوم الجمهوري القاضي بتأمين مصادر تمويل الزيادة على الأجور من وفورات الموازنة حصراً.
إن طريقة الزيادة الحالية للأجور تؤكد ضرورة إعادة النظر بالسياسة الأجرية، التي يجب أن تستند إلى إعادة النظر بالحد الأدنى للأجور كي يتناسب مع الحد الأدنى لمستوى المعيشة, وأن يجري ربط الأجور بالأسعار دورياً, وأخيراً ضرورة تمويل هذه الزيادات من مصادر حقيقية, فالزيادة الأخيرة لو كانت لها مصادر تمويل حقيقية للعبت دوراً ما في ردم الهوة بين الأجور والأسعار, وكذلك بين الأجور والأرباح, ولكن تمويل هذه الزيادة من مصادر تمويل تعتبر تضخمية نسف فعلياً كل هذه الزيادة, ولم يخرج بمنطقه عن تلك السياسات الاقتصادية التي اتبعت سابقاً, والتي أساءت إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
إن الوضع يتطلب إعادة النظر بطريقة تمويل الزيادة الأخيرة في الأجور والإلغاء الفوري لكل القرارات القاضية برفع أسعار المحروقات والغاز والماء.. وهذا ممكن وضروري كي تستعيد الجماهير الشعبية ثقتها بإمكانية تحقيق إصلاح اقتصادي حقيقي يؤمن مصالحها.
إن الزيادة الحالية بالشكل الذي تمت فيه، ستعمق الخلل بين الأجور والأسعار، وبين الأجور والأرباح, ولن تحسن مستوى الجماهير الشعبية الذي يجب أن يكون هدف كل إصلاح في نهاية المطاف.

قاسيون العدد 175 أيار 2002.