أرجو منكم توظيفي في معمل «الشمينتو»!!
كانت بداية الظهور الفعلي لفئة عمال الأسمنت في سورية عام 1928 حيث دخلت الطاقة الكهربائية اللازمة للصناعة، وتوسعت عمليات توليد الكهرباء باستخدام القوى المائية بشكل أكثر تطوراً.
أدت هذه التطورات لمكننة الصناعات الحرفية، وإعادة هيكلتها على النحو الذي يمكنها من منافسة البضائع الأجنبية، وتأسس أول معمل للأسمنت في سورية في دمر بإحدى ضواحي دمشق عام 1928 ولا يزال المعمل ببنائه ومعداته رغم الإهمال غير الطبيعي موجوداً حتى اليوم. وبين عامي 1928 – 1936، ونتيجة تطور الرأسمال الوطني ظهرت شركة الأسمنت الوطنية التي بلغ رأسمالها عام 1936 أكثر من 144 ألف ليرة ذهبية؛ وضمت العديد من المصانع، وقد شكلت معامل الأسمنت مراكز لتجمع القوى العاملة السورية المتشكلة حديثاً، ولم يكن يوجد آنذاك أي قانون عمالي يحميهم بل كان يوجد عقود فردية، وكانت الشركات تجبر عمالها على التوقيع على الاستقالة وعدم المطالبة بأية حقوق قبل البدء في العمل بما فيه الإصابات، اللافت للأمر حين سرب أحد العمال نسخة عن هذه العقود وقدمها إلى اتحاد عمال دمشق حيث جاء فيها ما يلي:
«بعد التحية أرجو منكم توظيفي في معمل الشمينتو بالمركز رقم ( ) بأجرة عن كل ساعة ( ) قروش سورية، وأنني أصرح دون إكراه أو إجبار وأنا بكامل الأوصاف الشرعية بأن شركتكم غير مسؤولة عن كل حادث يطرأ عليّ أثناء العمل أو القيام بواجبات وظيفتي، وأنني مقيد بجميع التعليمات الإدارية والفنية التي تفرضها الشركة في الحال؛ وأنني مسؤول أدبياً ومادياً عما يحصل للشركة من الأضرار من جراء تقصيري أو تهاوني أو تعمدي أثناء قيامي بالعمل».
وهكذا تكون الشركة معفاة من أي مكروه يتعرض له العامل ولا يهمها أمره، حتى إن مات في حادث عمل، وذلك لعدم وجود أية نصوص قانونية تحميه، وكذلك الأمر كان استغلال العمال على أشده في ثلاثينيات القرن الماضي من ناحية عدم وجود قانون للعمل والأجور المتدنية، وساعات العمل الطويلة، والتسريح الكيفي التعسفي بمجرد حدوث إشكالية بين العامل ورب العمل، وكانت أجور عمال الأسمنت عام 1933 أربعين قرشاً في اليوم، أو ما يعادل 208 فرنكات في الشهر، حيث أعلن عمال معمل الأسمنت في دمشق الإضراب عن العمل احتجاجا على تخفيض أجورهم في 23 تموز 1933، أثناء الإضرابات العمالية الكبيرة التي شهدتها دمشق والتي شارك فيها أكثر من 50 ألف عامل، وهكذا أصبح لفئة عمال الأسمنت وجودها في سورية.