دراسة تحليلية لمشروع المرسوم التشريعي للاستقالة الطوعية
د. المهندس محمد غسَّان طيارة د. المهندس محمد غسَّان طيارة

دراسة تحليلية لمشروع المرسوم التشريعي للاستقالة الطوعية

اطلعت على مشروع المرسوم التشريعي الذي أعدته وزارة الصناعة حول ما سُمِيَ بالاستقالة الطوعية، كما اطلعت من الصحافة المحلية على حساب الوفر الذي قد يحققه المشروع فيما لو تمَّ تطبيقه بحسب رأي وزارة الصناعة، كما قرأت مطالعة الاتحاد العام لنقابات العمال حول مشروع المرسوم التشريعي آنف الذكر.

إن رأي وزارة الصناعة يُدْخلنا في عدم وضوح الهدف من هذا التشريع الجديد ويعود سبب ذلك إلى تحديد مبلغ إجمالي كأجور ورواتب للعمالة الجديدة يصل إلى /3700/ مليون ليرة سورية، وهي تعادل ربع أجور العمالة المستقيلة طوعياً تقريباً، ولهذا نتساءل لماذا سيتم تعْيين عمالة جديدة إذا كان الهدف من مشروع المرسوم هو حل العمالة الفائضة؟ فمن يستقيل طوعياً من العمال الفائضين لن تحتاج الجهة العامة التي كان يعْمل بها إلى تعيين البديل عنها، ولهذا أيضاً يزداد الوفر الظاهري وليس الفعلي الذي حسبته وزارة الصناعة، كما يسقط من حساب التكاليف التي حددها الاتحاد العام لنقابات العمال وقد اعتبرها حصيلة دفع رواتب لمدة 27 شهراً بدلاً من 12 شهراً في السنة، كذلك لن تحتاج وزارة الصناعة إلى دفع تكاليف جديدة للعامل الجديد للضمان الصحي وتبقى تكاليف الضمان الصحي للعامل المستقيل طوعيا فقط، وليس تبرير وزارة الصناعة إدخال دماء جديدة إلى سوق العمل هنا موقعه، فحل مشكلة تغيير هيكلية المستوى العلمي والفني في شركات القطاع العام لا يتم مع حل مشكلة العمالة الفائضة، فهما مشكلتان غير مرتبطتين فيما بينهما، وسأوضح لاحقاً هذا الموضوع بشكلٍ مختصر.

لقد سهت وزارة الصناعة عن التكاليف التي ستتكبدها المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية عند استقالة مجموعة عدة آلاف من العمالة الفائضة دفعة واحدة، كما سهت عن حساب خسارة تلك المؤسسة لأقساط تأمينات تعادل 21% من الأجر للمستقلين طوعياً لمدة عشر سنوات مع فوائد استثمارها خلال تلك المدة، كما سهت عن التكلفة التي ستتكبدها ميزانيات نقابات العمال عند استقالة عدة آلاف دفعة واحدة، كما ستفقد صناديق النقابات مبالغ مشاركات هؤلاء العمال فيها. ونضيف إلى ذلك بأننا سنجد بين هؤلاء العمال من لم يصل أجره إلى الحد الأقصى لأجر فئته، وعند استقالتهم سيفقدون خمسة ترفيعات بمعدل 9% كل سنتين وسيكون الحد الأقصى لهذه الترفيعات حوالي 45% من الأجر، مما يُعْطي زيادة في الراتب التقاعدي يصل في حده الأقصى إلى حوالي 34% من الأجر فيما لو تقاعد بعد السنوات العشر المغرية.

وحتى يكون الحساب أكثر دقة نبين الآتي:

ـــ تدفع الجهات العامة التي قبلت الاستقالات الطوعية بحدود ربع الأجر السنوي (3 أشهر عن كل سنة).

ـــ تتحمل المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية 75% من ذلك الأجر كرواتب تقاعدية للمستقيلين طوعياً.

ـــ ستخسر المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية أقساط اشتراكات العمال المستقيلين طوعياً والتي تعادل في حدها الأقصى 21% من الأجور السنوية ولمدة عشر سنوات وستبلغ كحد أقصى 2،1 أجرة سنة واحدة لكل عامل استقال طوعياً.

وعليه نطرح السؤال التالي: من سيتحمل هذه النفقات والتكاليف المضافة والتي ستبلغ عدة مليارات خلال فترة بسيطة: هل ستكون على عاتق المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية؟ وزارة المالية؟ وزارة الصناعة؟ المؤسسة العامة التي يتبع لها العامل المستقيل طوعا؟. لقد سها مشروع المرسوم التشريعي ووزارة الصناعة عن حساب  هذه التكاليف، كما من سيعوض على بعض العمال المستقيلين طوعياً ترفيعاتهم الدورية وانعكاساتها على رواتبهم التقاعدية؟.

ولا يصْحُ هنا القول بأنه من المفروض على المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية أن تدفع الرواتب التقاعدية للعامل الذي بلغت خدماته 30 سنة وهو ما زال على رأس العمل، وما تأخذه المؤسسة بعد ذلك هو زيادة اقتطاع، لأن المشرِّع أوجب التقاعد عند سنة الستين بغض النظر عن سنوات الخدمة التي تدخل في التقاعد، وترك المجال اختيارياً للعامل بطلب الإحالة على التقاعد بعد بلوغ إجمالي خدماته ثلاثين سنة، وقد نوّه الاتحادُ العام لنقابات العمال بهذا الحق.

- بسبب خسارة العامل المستقيل طوعياً الترفيعات الدورية التي قد يستحقها خلال السنوات العشر فيما لو استقال طوعياً، ستضْعف قيمة وجدوى الحوافز التي وردت في مشروع المرسوم التشريعي آنف الذكر.

- إن تعْيين ابن العامل المنصوص عليه في التشريع المقترح في غير محله، لأن الهدف من ذلك التشريع الجديد حل مشكلة العمالة الفائضة وليس إيجاد فرص عمل جديدة حتى لا نعود ثانية إلى تراكم عمالة فائضة جديدة.

- بعد حل مشكلة العمالة الفائضة من الطبيعي أن تزداد إنتاجية العامل، وهي غير محسوبة في وفورات وزارة الصناعة لصعوبة تحديدها، لأن تراكم العمال يؤدي إلى التواكل والإتكالية مما يضيف سبباً نفسياً على ضعْف إنتاجية العامل، وهناك دراسات كثيرة عن طرق حساب إنتاجية العامل في موقع عمل فيه عمالة فائضة وفي موقع عملٍ آخر فيه نقص في العمالة، وفي موقع عمل ثالث عمالته كافية، تتلخص بما يلي: الاتكالية للحالة الأولى وإرهاق للحالة الثانية وإنتاجية جيدة للحالة الثالثة.

إن حل العمالة الفائضة ضرورة حتمية، ويمكن لحلها العودة إلى التشريع الذي أقره مجلس الوزراء في سنة 2005 تحت عنوان «التقاعد المبكر» ولكنه لم يرَ النور، وقد يعود سبب ذلك إلى اعتراضات لم تُطْرح في جلسة مجلس الوزراء حين إقرار مشروع القانون، وإعادة دراسته لسد الثغرات التي قد تكون موجودة فيه، مع تأكيدنا على أن أسبابه الموجبة موقعه من وزير المالية ووزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل.

وأخيراً نوَد التأكيد على وجود عمالة فائضة بين فئات العمال من 3 و4 و5، ونقص في العمال الفنيين وأصحاب الخبرة والشهادات الجامعية من المختصين، ولا يجوز الإبقاء على النقص في اليد العاملة الخبيرة والتحجج بفائض العمالة، كما لا يجوز التأخير في حلها هذه المشكلة حتى الانتهاء من العمالة الفائضة.

إن استكمال النقص في اليد العاملة الخبيرة، والطلب من العمالة الفائضة أن تبقى في بيوتها دون عمل مع تقاضي كامل الأجور والمزايا المستحقة، أربح للشركات الصناعية من تراكمها في مواقع العمل لزيادة الإنتاج والإنتاجية كما أسلفنا وتوفير أجور نقل تلك العمالة.

أرجو أن لا يُفْهم من كلامنا إن ما اقترحته هو حل، بل هو أهون الشرّيْن الأول تراكم العمالة الفائضة في موقع العمل، والثاني أن تبقى هذه العمالة في بيوتها، والحل الصحيح في إعادة دراسة مشروع  قانون التقاعد المبكر وإقراره بالشكل الأنسب للاقتصاد الوطني وللعامل. 

إن رفدَ الشركات بدماء جديدة خبيرة لا يمكن أن يتم دفعة واحدة، وإنما يتمُّ تدريجياً بحيث يُقْبل عددٌ من العمال بنظام التلمذة الصناعية في بعض الشركات، ليتدربوا في مواقع عمل مشابهة لمراكز العمل التي سيتمُّ فرزهم إليها، ويحدد عددهم بحسب الأعداد المتوقعة للإحالة على التقاعد العادي وليس الطوعي خلال فترة الدورة، ومن الممكن الاستناد إلى تحديد مدة الدورة بحسب الحاجة الفعلية من التلاميذ خلال مدة الدورة (دورات مكثفة، ودورات تخصصية، دورات مسائية..).

وبشكلٍ عام إن تغيير الهيكلية الفنية والثقافية للعمالة القائمة ضرورة حتمية، وهذا غيرُ مرتبط بحالة العمالة الفائضة، ولهذا يجب حلُّ هذه القضية الملحّة بمعزلٍ عن حلّ قضية البطالة المُقنّعة.

■ دمشق في 7 تشرين الثاني 2010