الإصلاح السياسي في سورية يجب أن يكون شاملا وجذريا
«قاسيون» تنشر المداخلة «الوحيدة» التي وصلتها من المهندس الزراعي رشيد رشيد كاملة، والتي ألقيت أمام المؤتمر جاء فيها:
أيها الزملاء: يجب علينا أن ندرك تماما أن موجة الثورات العربية والتظاهرات والاحتجاجات جميعها هي بوادر واضحة لقطب الشعوب الذي سيهزم مراكز الاستغلال العالمية والامبريالية وعلى رأسها أمريكا، وليست آخرها المظاهرات التي قامت مؤخرا في أكثر من ألف مدينة في العالم، وعلى رأسها احتجاجات «وول ستريت»، وسيهزم هذا القطب أيضا أذنابهم العميلة والرجعية ومن لف لفهم، وحاول ركب موجة هذه الثورات والاحتجاجات وحاول تلويثها بالدم والسلاح.
إن موقع سورية الجيوسياسي البارز جعلها تقع ضمن منطقة تلاقي مصالح الدول الاستعمارية لتكون محط المؤامرات المحاكة ضدها، فالمؤامرة موجودة تاريخيا، وهي قديمة قدم سورية، والأهم من ذلك متى تنجح المؤامرة كلياً أو جزئياً، أعتقد أنه بقدر ما تكون الحصانة ضعيفة تنجح المؤامرة؟.
إن الأزمة الوطنية العميقة التي تعيشها سورية أحد أبرز أسبابها الرئيسية هو السياسات الاقتصادية التي اتبعت من قبل الفريق الاقتصادي الليبرالي في الحكومة السابقة غير المأسوف على رحيلها، وقد أدرك الشعب السوري بحسه البسيط، أن تلك السياسات لا شك ستؤدي بالبلاد والعباد إلى الهلاك،وقد نجحوا في ضرب الاقتصاد وكذلك زيادة مستوى البطالة، وإفقار الشعب الكادح، وإغناء الأغنياء، وتهجير أكثر من مليوني نسمة لعدم توفر فرص العمل، ما مهد أيضاً لفتح الثغرات أمام العدو المتربص من خلال جيش العاطلين عن العمل، وكذلك خطوات رفع الدعم المتتالي عن المحروقات ما أثر على خفض الإنتاج الزراعي والصناعي بالمليارات عماد الاقتصاد الوطني، ليروج للاستثمارات البديلة الخلبية والسياحية.
لذلك إن محاسبة الفريق الاقتصادي السابق ومحاكمته، وكل من تسبب بإيصال البلاد إلى هذه الأزمة مطلب شعبي ملح وعاجل وبشكل علني وفوري، إضافة إلى استعادة الأموال والأملاك من قوى النهب والسلب والفساد بقرارات جريئة ومصيرية حتى تتولد الأرضية والمصداقية للحوار الحقيقي، وقطع الطريق على من يريد ركب موجة الحراك الشعبي السلمي الطاهر، وبالمناسبة يجب أن لا نخشى من هذه المظاهرات السلمية، فهي حالة طبيعية، وتعبير عن احتقان الشعوب كلما تأزمت الرأسمالية، وهي الوجه الآخر للديمقراطية وأحد مظاهر النقد البناء، وهذا من أدبيات الأحزاب السياسية في العالم.
ولأن الشرفاء في هذا الوطن، والأحرار والعقلاء أقروا بأن أصعب الظروف والأزمات لا سبيل للخروج منها إلا بالحوار السلمي والحضاري، وليس حوار السلاح بالسلاح، فمن الضروري على الشعب السوري أن يميز ويقف أمام خارطة من يريد الحوار ومن لا يريد الحوار.
وقد بات واضحا من خلال الأحداث في سورية أن من يريد الحوار هم الشرفاء في النظام، وكذلك المعارضة الوطنية الشريفة، وقادة المظاهرات والحركة الشعبية الذين عانوا ومازالوا يعانون من ضغط الشارع وقوى أجهزة الدولة، أما من لا يريد الحوار، فهم ذلك الجزء المتشدد من النظام، والذين يمثلون قوى الفساد والنهب الكبيرين لأن في الإصلاح الحقيقي قطع أرزاقهم وأعناقهم ليس انتقاماً بل نتيجة المحاكمات العادلة، وكذلك المعارضة المتشددة ومن يدعون إلى عسكرة الحراك الشعبي، ومن يحمل السلاح على الأرض ومن وراءهم.
أيها الزملاء: لقد قتل مئات الآلاف من الضحايا والجرحى وشرد الملايين في العراق، وكذلك كان هناك أكثر من ستين ألف قتيل في ليبيا، فعلى السوريين الجلوس على طاولة الحوار بأقل الخسائر، وعلى مبدأ التوافقات الوطنية والتنازلات المتبادلة.
نحن في سورية نقول: (لا للتدخل الخارجي لا للحل الأمني لا للطائفية لا لقوى النهب والفساد الكبيرين)
وهذا الشعار هو صوت العقل والخلاص، ويلقى صدى واسعاً وحاملاً سياسياً يدافع عن هذا الشعار.
إن الإصلاح السياسي في سورية يجب أن يكون شاملاً وجذرياً محدداً للاتجاه بتعميق دور سورية الوطني، فالسوريون يريدون دستورا جديدا، وإذا كان قانون الأحزاب الذي صدر مؤخرا يذهب بالاتجاه الصحيح والايجابي، فقد جاء قانون الانتخابات بالاتجاه المعاكس تماما ليفرمل الحياة السياسية.
لذلك فالإصلاح السياسي الحقيقي يتطلب قانون انتخاب حقيقي، وليس متخلفاً ومفصلاً على قياس قوى المال وجهاز الدولة، حيث أضر بالبلاد وعمل على سد منافذ الاتصال بين الشعب والحكومة.
فالسوريون وسورية بحاجة إلى قانون انتخاب على أساس سورية كلها دائرة واحدة يعتمد مبدأ النسبية، لأن ذلك ينشط الحركة السياسية في البلاد، ويكون أكثر عدالة في إيصال صوت الناس للبرلمان من خلال إقامة التحالفات، والتكتلات بين الأحزاب والشخصيات الوطنية.
وبمعنى آخر إن قانون الانتخابات يعيق قانون الأحزاب الذي صدر مؤخرا وله إيجابياته.