الفقراء يحتاجون إلى برامج تنموية وليس لجمعيات خيرية!
في لقاءات عدة أجرتها الصحافة المرئية والمكتوبة مع وزيرة العمل والشؤون الاجتماعية حول مرسوم صندوق المعونة الاجتماعية للأسر السورية الفقيرة التي تحتاج إلى مساعدة، والمصنفة حسب إحصاءات الحكومة بأنها تحت خط الفقر وفقاً للمسح الذي أجرته الوزارة في العام الفائت، حيث تجمهر الآلاف من الفقراء أمام المراكز التي أعدتها الوزارة لإحصاء عدد الأسر الفقيرة التي تنوي (التصدق عليهم) وإنقاذهم من الفقر والعوز الذي أصابهم، ورفع مستوى تمثيلهم لخط الفقر الأدنى إلى خط الفقر الأعلى وانتمائهم إليه، وأضعف الإيمان إلى مابين الخطين، ليس هذا فقط بل ستعمل الوزيرة وعبر أموال الصندوق من (تمكينهم) أي تحويلهم إلى منتجين ومساهمين (حقيقيين) في رفع مستوى معيشتهم من خلال مشاريع إنتاجية تمهيداً لتخريج الدفعة الأولى من الفقراء من آلية الاستفادة من المعونة المقررة لهم، ودخول دفعة جديدة تستحق الدعم والإعانة، وبهذه الطريقة (طريقة تخريج الدفعات)، وخلال أعوام قليلة تكون الوزارة قد قضت على كل مظاهر الفقر (والفقراء)!!
وبالعودة إلى ما قالته السيدة الوزيرة: فإنها وجهت إتهاماً صريحاً للأسر الفقيرة المنوي مساعدتها بأنها تستهلك عوائد التنمية بسبب الإنجاب غير العادي (يا لها من فعلة شنيعة) التي يقدم عليها الفقراء، مما يؤدي إلى تزايد كبير في نسب السكان، فحتى تجوز الإعانة للأسرة الفقيرة لابد أن يكون عدد الأولاد عندها ثلاثة وما دون، ومن ينجب أكثر من ذلك فيكون (ذنبه على جنبه) وهو محروم من الإعانة، وليتحمل شر أعماله التي قام بها والتي تتعارض مع شعار الحكومة في تحديد النسل والإنجاب، حيث أن هذا الإنجاب المتزايد يستهلك الموارد الشحيحة المحدودة التي في حوزة الفريق الحكومي الاقتصادي، مما يعني إرباكاً لهم سيوقعهم في حيرة من أمرهم عن الكيفية والطريقة التي ستؤمن بها الحكومة الموارد الكافية والضرورية التي ستصرفها على الفقراء لإنقاذهم من فقرهم!
إن الفقراء (الشريرين) لا يولون اهتماماً للمساعي الحكومية وللجهود المبذولة لتأمين ما يلزم من موارد لرفع مستوى معيشتهم أو تحسين الرعاية الطبية والتعليمية لأبنائهم.
إن المطلوب من الأسر الفقيرة شيء واحد فقط (تحديد نسلهم) وعدم الإنجاب بالنسب ذاتها وترك ما تبقى من أمور على الحكومة التي ستتكفل بالقضاء على الفقر ورفع مستواه من الحد الأدنى إلى ما فوق الحد الأعلى.
بهذا الكلام نشم رائحة فيها الكثير من (المالتوسيه) التي تتهم الفقراء بتنغيص عيش الأغنياء، بسبب تزايدهم وإنجاباتهم الكثيرة، مما يؤدي إلى تزايد مطالبهم وتكبير حصتهم التي يحرص الأغنياء كثيراً على أن لا تكبر وتزيد، بل لابد أن تتناقص لأن في ذلك زيادة لأرباحهم، ومَركَزَةً لأموالهم.
أيها السادة الوزراء، أيها السادة الأغنياء، فقراء بلادنا لم يختاروا فقرهم بأيديهم، ولم يذهبوا إليه بأرجلهم وإرادتهم، وليس السبب إنجابهم المتزايد الذي يستهلك عوائد التنمية التي يجري التباكي عليها!
قالت الوزيرة وبالحرف الواحد: (فلِكي تكون لدى الآخرين معرفة بهذا الموضوع فأنتم تعلمون أن الزيادة السكانية تستهلك من عوائد التنمية، ومن ثم فإن الصندوق غير مضطر لدعم ذلك الذي لا يعي أن الموارد محدودة وأن عليه أن يحافظ عليها).
أيها الفقراء الذين لا تعلمون بقوانين الاقتصاد، ولكن تعلمون بحِسِّكم العفوي وبتجربتكم الطويلة مع الفقر والحرمان أن عوائد التنمية التي تتحدث عنها الحكومة، وتتهمكم بأنكم من يستحوذ على قسم منها، أن تلك العوائد تذهب إلى مكان آخر، تذهب إلى جيوب وأرصدة الـ20% من السكان الذين يستحوذون على /80%/ من الدخل الوطني، وإذا كان الأمر غير ذلك، فلماذا تتزايد نسب الفقر والبطالة عاماً بعد عام وباعتراف الحكومة ومكاتبها الإحصائية التي تطلعنا كل فترة زمنية على نسب جديدة للفقر والبطالة؟!
إن النهب الكبير الذي التَهَم كل مقدرات البلاد والعباد هو سبب فقركم. إن السياسات الليبرالية التي جعلت كل شيء مباحاً للأغنياء من أجل أن يكدسوا الأرباح والأموال وعلى حساب حصصكم الحقيقية من الدخل الوطني، هي سبب فقركم. إن رفع الدعم الكلي والجزئي عن حوامل الطاقة ومستلزمات الزراعة هو من هجَّركم من أراضيكم الزراعية وزاد من فقركم.
إن الفقراء في وطننا لا يحتاجون لجمعيات خيرية تتصدق عليهم كل ثلاثة اشهر، هم يحتاجون إلى مشاريع تنموية واستثمارات في الصناعة والزراعة تشغل جيش العاطلين عن العمل، وتثبِّت الفلاحين في أراضيهم وحقولهم كي يستمروا منتجين، وليسوا متسولين على أبواب وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.
إن وطننا بحاجة إلى تنمية حقيقية في كل أرجائه العامرة بالخيرات، ولا يحتاج إلى جمعيات خيرية تتصدق عليه وتحط من كرامته وتحوله إلى عبدٍ لتلك الجمعيات (الصناديق)، متى شاءت تعطيه، ومتى شاءت تحرمه.