رئيس الوزراء يوجه للإسراع بتعديل قانون التأمينات الاجتماعية هذه المرة.. لمصلحة من العمال أم أرباب العمل؟
قبل أكثر من عامين طلبت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل اجتماعاً مع القيادات النقابية للتشاور حول تعديل قانون التأمينات الاجتماعية بضغط وتوجيهات من البنك الدولي، حينها عقد الاجتماع وشرحت الوزيرة مبررات التعديل القادم الذي هو أولاً من أجل تشجيع الاستثمارات وثانياً: إن الوزيرة أحضرت خبيرة اكتوارية من البنك الدولي وقدمت دراسة حول مؤسسة التأمينات الاجتماعية خلصت في نهاية دراستها إلى أن المؤسسة سوف تكون عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها عام 2016، لذلك لابد من تخفيض نسب الرواتب التقاعدية. وجوبهت الوزيرة برفض قاطع للدراسة الاكتوارية، ولتشجيع الاستثمار من جميع القيادات النقابية، وفي نهاية الاجتماع حذرت الوزيرة القيادات النقابية قائلة: «أنكم أنتم سوف تدفعون الثمن..»
في الرابع من الشهر الحالي وفي اجتماع لمجلس الوزراء أكد رئيس المجلس على ضرورة استكمال ما بقي من توصيات المؤتمر الصناعي الأول والثاني ولاسيما ما يتعلق منها بقضايا التأمينات، ودعا الوزيرة إلى إيلاء الاهتمام والإسراع بإنجاز مشروع قانون التأمينات الاجتماعية وعرضه على المجلس في أسرع وقت.
إذاً مشروع تعديل القانون لم ينته بالاجتماع الذي عقدته الوزيرة مع القيادات النقابية، وعبر رئيس الوزراء بكل وضوح بأن تعديل القانون سوف يأتي من خلال توصيات المؤتمر الصناعي الأول والثاني، وهذا يعني أن التعديل المقترح سيكون مكملاً لقانون الاستثمار ومشجعاً المستثمرين، وبالتالي فهو يخدم أرباب العمل، وسبق وقبل /3/ سنوات تم تشكيل لجنة من مؤسسة التأمينات الاجتماعية لدراسة تعديلات قانون التأمينات الاجتماعية رقم /92/ لعام 1959، إلا أن هذه الدراسة لم يؤخذ بها لإبقائها محافظة على حقوق العمال المكتسبة، ويقول تقرير الاتحاد العام لعام 2007 في هذا الصدد إن نية الوزارة تتجه لتشكيل لجنة مهمتها وضع مشروع لتعديل قانون التأمينات، ويخشى الاتحاد العام أن يكون الاتجاه منصباً في عمل هذه اللجنة على التعديل باتجاه تخفيض رسوم الاشتراكات التأمينية، علماً أن المشروع المقترح من المؤسسة في صيغته المعروضة على الاتحاد العام هو تطوير للعديد من مواد القانون النافذ، وهو تعديل وصياغة لبعضها، وأن السير بهذا الاتجاه خطوة لضرب المكتسبات العمالية لمصلحة أرباب العمل والمستثمرين.
بدأت على الصعيد التشريعي بتعديل قانون العمل في القطاع الخاص، وقد قوبل هذا التعديل بمعارضة شديدة في البداية من العمال والحركة النقابية، وبعد أن فرض التعديل نفسه وبمباركة الجميع تمت الموافقة عليه، وكان مشروع تعديل القانون /91/ لعام 1959 الذي أعد في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل القضية الأكثر حساسية، وقد تابع الاتحاد العام لنقابات العمال دراسة مشروع القانون المقترح، ووضع ملاحظاته على المشروع وتمت مخاطبة جميع الجهات الوصائية، وعقدت سلسلة من الاجتماعات ما بين ممثلي اتحاد العمال ووزارة الشؤون ولم يصل الحوار إلى نتيجة. اعترض ممثلو الاتحاد على فقرات عديدة منها:
1) المواد /23 و24/ التي تجيز الجمع بين مكاتب التشغيل والتوريد وهذه المواد تتعلق بإحداث مكاتب خاصة للتشغيل وتوريد العمالة.
2) المادة /65/ التي تجيز لصاحب العمل في أية حال من الأحوال إنهاء عقد العمل غير المحدد المدة، والتي تلغي لجان قضايا التسريح والموافقة المسبقة، وتعطي رب العمل كامل الحق في أي وقت لتسريح العامل من عمله ودون تقديم أي مبرر، علماً أن قانون العمل قبل التعديل أورد حالات عديدة وكثيرة يمكن لرب العمل أن يسرح من خلالها العامل دون الحصول على موافقة لجان قضايا التسريح، وأوضح اتحاد العمال هنا «أنه لا يمكن الانطلاق في تعديل القانون بالقياس على علاقة الإيجار أو المزارعة كما أن مقولة (العقد شريعة المتعاقدين) لا يمكن أن تحكم علاقة العمل وخاصة القائمة منها منذ عشرات السنوات ونبه لانعكاساتها السلبية الشديدة على واقع العمل والعمال وحقوقهم المكتسبة.
وأخيراً صدر القانون كما تريده الوزارة وأرباب العمل، وهو لا يضمن للعامل حداً مقبولاً من الأجر لمواجهة أعباء الحياة، وفي هذا الصدد يقول القائد النقابي إبراهيم اللوزة معلقاً عليه «القانون السابق كان أكثر دقة من القانون الجديد بموضوع تشغيل الأحداث، ولكنه لا يشكل محوراً جوهرياً بالنسبة لمجموع العاملين في القطاعين العام والخاص ولا يغطي السلبيات التي يمارسها أرباب العمل على عمالهم في عقودهم وأجورهم عند التعيين وترفيعاتهم وتأميناتهم وإجازاتهم وغيرها من الحقوق. فكل هذه الحقوق ذكرها القانون بطريقة خجولة، وبعيداً عن جدية الرقابة عليها كرمى لعيون بعض أرباب العمل ليبسط سيطرتهم المطلقة، وإرساء مبادئ ظلمهم واستغلالهم وتحكمهم برقاب العمال»، ورغم ذلك لم يطبق هذا القانون ولم تتخذ الجهات الوصائية أي إجراء لتطبيقه.
الآن رئيس الوزراء يوجه بتعديل قانون التأمينات بشكل سريع من دون شرح أية تفاصيل، وبالمناسبة وحسب بعض المصادر إن بعثة البنك أقامت في المؤسسة لمدة أكثر من ستة أشهر، ومدير عام مؤسسة التأمينات الاجتماعية ينفي نفياً قاطعاً ما تردده وزارة الشؤون بأن المؤسسة سوف تكون خاسرة بعد سنوات، ويقول في مذكرة تفصيلية إن المؤسسة قامت بإحداث مديرية الاستثمار في الإدارة العامة ودوائر استثمار في كافة فروعها، وصدر نظام الاستثمار رقم /87/ لعام 2003 الذي حدد مهاما لهذه المديرية.. وقد حققت المؤسسة نجاحاً من خلال استثمار فائض أموالها في شراء عقارات ومشاريع سكنية، وتأسيس عدد من المصارف وشراء أسهم في مصارف وشركات، وشاركت المؤسسة في تأسيس بعض البنوك، وهكذا فأن المؤسسة لن تكون خاسرة كما تدعي الجهات الوصائية، وكان يمكن لهذه الجهات أن تطالب وزارة المالية بالمليارات التي سحبتها واستولت عليها من المؤسسة، وأن تطالب الجهات العامة بدفع ما عليها من ديون للمؤسسة تقدر بالمليارات، ومنها على سبيل المثال على وزارة التربية التي تقدر بحوالي /30/ مليار ل.س، ولكن يبدو أن دعاة الليبرالية ماضون في هدم البلد اقتصادياً، وهنا تبدأ مسؤولية أكثرية الشعب وقواه الخيرة في التصدي لهذه السياسات وردعها وفي ذلك كرامة الوطن والمواطن.