العمال بين الانتداب والاستقلال
شهدت سورية في عام 1930 إلى 1946 الكثير من الإضرابات العمالية التي لها طابع سياسي ومطلبي أثبت فيها العمال السوريون بأنهم قوة سياسية مناضلة ومقاتلة دفاعاً عن الوطن وعن حقوقها، ومطالبها السياسية، الاقتصادية وحرياتها النقابية، حيث وقف الشيوعيون السوريون جنباً إلى جنب مع المطالب العمالية مزوديهم ببرنامج علمي يعبر عن تلك المطالب والحقوق
تأسست النقابات العمالية في المدن السورية كافة وأصبح لها وجه مستقل، وقرار مستقل، وهذا ما دفع بعض القوى والأحزاب التي تتناقض برامجها مع حقوق الطبقة العاملة لاختراق صفوف النقابات بوجوه نقابية اصلاحية في مواقفها تجاه حقوق العمال الأساسية لإضعاف الحركة النقابية وجعلها تقبل ما يرمى لها من فتات للتضييق عليه، فقرر الحزب مع قوى تقدمية أخرى تنظيم أتحاد نقابي آخر يضم 17ألف شخص فتشكل مؤتمر العمال السوريين برئاسة الشيوعي المعروف إبراهيم بكري... وفي11 حزيران 1946وتحت الضغط العمالي اضطرت الحكومة البرجوازية إلى أبداء بعض التنازلات وأصدرت أول قانون للعمل في تاريخ سورية ينص على تحديد يوم العمل بـ8 ساعات، وعلى الحد الأدنى للأجور والعطل والمعونات وغيرها.
وقد لعب الحزب الشيوعي السوري دوراً هاماً في إصدار هذا القانون فقد شكل لجنة لدراسة مشروع القانون وقدم عدة ملاحظات حوله وأقام الحزب صلات مع مجموعة من النواب الديمقراطيين للتسريع في التصديق عليه ونظم مظاهرات تطالب بإصداره وتطبيقه إلا أن هذا القانون كغيره من الإجراءات التي اتخذتها البرجوازية السورية تميزت بالتأرجح فقد حدد يوم العمل بـ8 ساعات ولكنه في الوقت ذاته سمح للمؤسسات أن تتفق مع العمال على زيادة ساعات العمل حتى 10-12ساعة وسمح بكلمات عامة للعمال بحق الإضراب وإنشاء الاتحادات النقابية ولكنه حرم في الوقت نفسه النشاط السياسي على النقابيين.
لقد حدد القانون الحد الأدنى للأجور والعطل الاسبوعية المدفوعة الأجر والعطلة السنوية والمعونات، ولكنه في الوقت نفسه أشار إلى أن هذه الأمور لا تنطبق على المؤسسات التي يقل عدد العمال فيها عن عشرة ولا على العمال الزراعيين وهذا يعني أن القانون لا ينطبق على الأغلبية الساحقة من العمال ولا على العناصر نصف العمالية في المدينة والريف، وفي أب 1946عقدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري اجتماعا لبحث الوضع السياسي في سورية ولبنان وغيرهما من البلدان العربية وصدر عن الاجتماع بيان سياسي يعلن أن تدخل الإمبريالية الأجنبية وبالدرجة الأولى الإنكليزية في الشؤون الداخلية السورية سياسياً واقتصادياً وهو السبب الرئيسي الذي يعيق الاستقلال السياسي في البلاد ويعيق التقدم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي السوري ويتميز الموقف الرسمي لسورية ولبنان بالنسبة للتدخل الإمبريالي بالضعف والتهاون مما يهدد بفقدان الاستقلال والمكتسبات الوطنية لقد طلب الحزب الشيوعي السوري من حكومتي سورية ولبنان توطيد النظام الجمهوري واحترام الدستور والحريات الديمقراطية وحرية نشاط النقابات والأحزاب السياسية وإزالة مخلفات الإقطاعية وإنهاض الصناعة كما طالب الحزب بنضال ضد الجهل والمرض ومكافحة الغلاء والبطالة وتخفيض الضرائب ورفع مستوى حياة الشعب..