من الأرشيف العمالي: صياغة دور جديد للدولة
إذا كانت العقود الماضية قد أنتجت دوراً محدداً للدولة في المجال الاقتصادي وكذلك السياسي، فإن هذا الدور قد استنفد نفسه تاريخياً، والمطلوب البحث عن دور جديد وصياغته بحيث يتوافق مع المتطلبات التي تقدمها الحياة اليوم.
وبالفعل فإن الدور الوصائي السابق للدولة في المجال الاقتصادي والذي سار بعيداً عن أي تخطيط رغم وجود الخطط والذي لم يستطع الحد من الفساد المرتكز إلى نهب ثروات البلاد بل فاقمه إن هذا الدور وصل في نهاية المطاف إلى حالة عجز عن تحقيق أي نمو للاقتصاد الوطني، الذي ما هو إلا شرط ضروري لأية عملية تنمية حقيقية تنعكس إيجابياً على المشكلات الأساسية التي يعاني منها المجتمع من مستوى معيشة متدن وبطالة متراكمة.
كما أن هذا الدور في المجال السياسي كبل قوى المجتمع وعطل الحركة السياسية الفعلية فيه، وبالتالي أخرج جهاز الدولة من تحت أية رقابة فعلية للمجتمع عليه مما ساهم في نشر الفساد وخاصة الكبير منه مع ما يحمله ذلك من آثار اقتصادية واجتماعية خطيرة أمام هذا الواقع تقوم بعض القوى المتأثرة بروح الليبرالية الجديدة داخل جهاز الدولة وخارجه بالدعوة إلى إلغاء أي دور للدولة وخاصة في المجال الاقتصادي، أو تخفيضه في أحسن الأحوال إلى الحد الأدنى تحت شعار: الاتجاه نحو اقتصاد السوق الحر، وهي إن كانت تدعو في المجال السياسي لإعادة النظر بدور الدولة فإنها عملياً تدعو لنقل سلطة القرار السياسي إن لم يكن كله فعلى الأقل جزء هام منه إليها، وبعيداً عن قوى المجتمع الحية، لضمان نقل الثروة إليها وهكذا ينتقل المجتمع من تحت الدلف إلى تحت المزراب.
لقد كانت سورية دائماً قادرة على إيجاد الحلول الخاصة بها بعيداً عن ضغوط الماضي وإملاءات الحاضر، انطلاقاً من المصلحة الوطنية العليا، لذلك فإن القوى الوطنية مدعوة اليوم لصياغة دور جديد للدولة يضمن إطلاق طاقات المجتمع ويصحح المعادلة بينه وبين الدولة بحيث يضعها فعلاً تحت رقابته، وهذا يتطلب إطلاق أوسع الحريات السياسية مع الآليات الضرورية ولكن كل ذلك سيكون بعيد المنال ما لم تتحمل الدولة قسطها من المسؤولية في التطور الاقتصادي الذي يتطلب أعلى معدلات نمو. إن دوراً جديداً للدولة تنموياً عقلانياً منفتحاً على المجتمع هو الضمانة الوحيدة لكسر حلقة المشاكل الكبيرة التي نواجهها من نهب إلى بطالة مروراً بتدهور مستوى معيشة الشعب وفي كل ذلك أساس هام لتأمين كرامة الوطن والمواطن.
قاسيون العدد /234/
تشرين ثاني 2004.