«الراحل الكبير»: فرقة راديكاليّة تتحدّى الواقع طرباً
حميمية المكان والغناء الجماعي والسلطنة والسخرية وضحكات المستمعين، كلها تستحضر صوراً من أماسي المقاهي الشعبية القديمة. تحت صورة المرحوم بنظارات سوداء، يجلس «الآسفون» ساندي شمعون ونعيم الأسمر، وعماد حشيشو، وعبد الرضا قبيسي، وعلي أفندي الحوت بقيادة «الشيخ درويش أبو المعاطي». تجربة موسيقية لا تفوّتوها في «المترو»
لا يعود لأبي بكر البغدادي أو لمحمد مرسي الفضل في نجاح فرقة «الراحل الكبير». حضور «داعش» موضة العصر المدمّرة، وتصرّفاته والاهتمام العالمي به، أسهما في نشر أغنية «مولد سيدي البغدادي» بشكل سريع، لكنّ هذه الأغنية الساخرة التي اهتمّ بها الإعلام أخيراً، لا تختصر أهمية التجربة الطربية الجديدة التي تقدّمها مجموعة من الموسيقيين المحترفين والمتمرّسين في الموسيقى الشرقية.
تحت صورة المرحوم بنظارات سوداء، جلس «الآسفون» ساندي شمعون ونعيم الأسمر (غناء)، وعماد حشيشو (عود) وعبد الرضا قبيسي (بزق) وعلي أفندي الحوت (ايقاع) بقيادة «الشيخ درويش أبو المعاطي» أو خالد صبيح (بيانو وتأليف). خلال أمسية طربية بامتياز وساخرة معاً استضافها «مترو المدينة» الثلاثاء الماضي، استهلّت الفرقة بأغنية «وهبت عمري للأمل» للشيخ إمام، وقدّمت أكثر من أغنية جديدة من توقيعها الخاص، رسمت من خلالها كاريكاتوراً للوضع السياسي والاجتماعي المستجد.
حميمية المكان والغناء الجماعي والسلطنة والسخرية وتفاعل المستمعين وضحكاتهم، استحضرت صوراً من أمسيات المقاهي الشعبية العربية القديمة وجلساتها الموسيقية، أو من داخل زنزانة الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم ورفاقهما المعتقلين من حولهم.
اجتمع أعضاء «الراحل الكبير» بنيّة البحث سويّاً عن تجربة جديدة يخوضونها من دون أن يكون لهذه التجربة أي عنوان أو مسار معيّن، ولم يكن في البال التعاطي مع ما يحصل حولهم من أحداث. لم يتمالكوا أنفسم من ترك كلمة مرسي الشهيرة تمرّ من دون تعليق. هكذا، خرجت «دونت ميكس» من جلسة في المنزل الى صفحة «يوتيوب». موسيقى وكلام مرتجل من وحي كلمة الرئيس الذي خلعه الجيش بتأييد شعبي في حزيران (يونيو) العام الماضي. كانت الأغنية وليدة تلك المناسبة. أما اليوم، فالوضع مختلف وفق خالد صبيح «لا حديث إلّا عن التكفير والتفجير والثورات والقتل وانتقلت الأحداث الى لبنان». خلال اللقاء الذي جمعنا بأعضاء الفرقة، توقف صبيح ملياً عند الأحداث السياسية المحيطة في مراجعة سريعة لما يحدث في السنوات الأخيرة في العالم العربي خصوصاً، سوريا، ومصر ولبنان.
يعود الى الوضع الراهن، «المواضيع فرضت نفسها. الوضع لا يترك مجالاً للحديث عن قصص الحب أو ما شابه». لكنه لا يجد بسهولة كلاماً لتلحينه، فـ «الوضع جفاف» حين يبحث عن كلام يتناول ما يجري، ما عدا مساهمة الشاعر المصري الشاب مصطفى ابراهيم صاحب ديوان «المانيفستو» الذي لحّن له نعيم الأسمر «أنا أكتر واحد» عن أعراض الانفصام، بعدما لحّن له خالد «أدين بدين الجدعنة» عن شجاعة المواجهة مع العسكر.
رغم صعوبة الكلام، استطاع صبيح أن يبلّغ الرسالة المطلوبة في أغنية «مولد سيدي البغدادي»، من خلال الكلام البسيط والخفيف وبفكاهة اللهجة المصرية. تناول ظاهرة البغدادي وداعش «علشان الإسلام رحمة، رح ندبح ونوزع لحمة، وعلشان نخفف زحمة، حنفجر في خلق الله». كما استطاع التعبير حين كتب بنفسه عن استبداد الأنظمة العسكرية وتوق الناس الى الحرية في أغنية «قمت طلعت مع الناس» أو في أغنية « كلّ يوم من الأزل» عن التغنّي بالانتصارات في ظلّ النكبات اليومية. أيضاً، هناك «وتفجّرت» و«لا بومب» من وحي موجة التفجير الهستيرية.
التهكّم والنكات ليسا استسلاماً وفق خالد، بل مواجهة رغم أنّ المواجهة أو التعاطي مع الأوضاع الراهنة لم يكونا هدفاً حين اجتمع موسيقيو «الراحل الكبير» وبدأوا العزف كمجموعة. كما لم يكن هناك أي اتجاه موسيقي محدّد. بالنسبة إلى عازف البزق عبد قبيسي، فهاجس الهوية الموسيقية غير موجود حتى، «ولو أننا نعزف غالباً موسيقى شرقية»
الطرب حاضر في كل مقطوعة ومع كل جملة موسيقية، خصوصاً مع تجويد نعيم الأسمر وتقاسيمه، الى جانب ساندي وأصوات المجموعة، ولو أدّت الفرقة كلاماً خالياً من المغزى مثل «يوم الأربعاء، يليه الخميس، أما الجمعة يا عيني عالجمعة»، التي تصنّفها الفرقة أغنية هابطة لنسيان الهموم.
المصدر: الأخبار