شاعر المقاومة وداعاً: تونس تبكي «عمّ علي»
أول من أمس، انطفأ أحد أهم المجددين في الشعر الشعبي في تونس. ارتبط اسم علي الأسود المرزوقي بالقضايا القومية وبفلسطين، وبهجائه اتفاقية كامب ديفيد. انتصر للفقراء وندّد بالاستعمار وبالهيمنة على مقدرات المنطقة تحت مسمّى «الربيع العربي» الذي اعتبره نكبةً ستنتهي الى مزيد من التقسيم والحروب الأهلية
عن عمر يناهز خمساً وسبعين سنة، غيّب الموت أول من أمس الشاعر الكبير علي الأسود المرزوقي في واحة دوز في محافظة «قبلي» على باب الصحراء الكبرى (جنوب تونس). ارتبط اسمه بالقضايا القومية من فلسطين والمقاومة اللبنانية واتفاقية كامب ديفيد المشؤومة، وصولاً الى حصار العراق وتدميره وتدمير حلف الأطلسي ليبيا، وتخريب سوريا باسم «الربيع العربي». وكان المرزوقي قد أنجز قصائد عدة في توصيف ما يحصل في العالم العربي، مطلقاً عليه تسمية «الربيع العبري».
بعد معاناة مع مرض السرطان والقلب، بكت تونس أول من أمس الثلاثاء شاعرها الشعبي الكبير (باللهجة المحكية). رغم شهرته الكبيرة، إلا أنّه عاش حياة بسيطة في الصحراء مع البدو والفلاحين في الواحات التي تغزل بالحياة، واعتبرها أجمل فضاء للسكينة والهروب من الكذب والنفاق الاجتماعي.
بدأت شهرة علي الاسود المرزوقي في أواخر السبعينيات، وأول الثمانينيات بعد عودته من هولندا التي هاجر اليها أواخر الستينيات هرباً من الفقر وبحثاً عن ظروف عيش أجمل. تزامنت عودته الى تونس مع توقيع الرئيس المصري أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد. يومذاك، كتب قصيدة ما زال الشارع التونسي يتداولها وجاء فيها: «تلاقوا في مخيم دفيد بغين، السيد يحكي والسادات يميد يحب التمجيد ومقابل تمجيده حدود».
ومنذ تلك القصيدة، أصبح علي الأسود المرزوقي شاعر المقاومة الذي خرج بالشعر الشعبي من القصر الرئاسي الذي كان الشعراء الشعبيون يتسابقون على إنشاد الشعر فيه أمام الزعيم الحبيب بورقيبة في شهر آب (أغسطس) من كل عام في مناسبة عيد ميلاده، الى ساحات النضال في رحاب الجماعة وفي احتفالات النقابيين. وكان وقوفه على ركح «مهرجان قرطاج» الأثري سنة 1980 بداية الشهرة الكبيرة. بعد ذلك، تجول بين لبنان وليبيا ومصر وسوريا واليمن والجزائر، وصدرت أعماله في أشرطة كاسيت جرى تداولها بآلاف النسخ.
ارتبط اسم علي الاسود المرزوقي بالشاعر المصري أحمد فؤاد نجم (1929 ـــ 2013) الذي كانت له معه مراسلات شعرية، وهو فن معروف «بالتراسل» بين الشعراء الشعبيين، إضافة إلى تنظيم أمسيات مشتركة. ومن أشهر قصائده لصديقه «الفاجومي» تلك التي يقول فيها بعد اتفاقية كامب ديفيد «كيف قلت يا أحمد فؤاد، الزين على شعبنا المسكين باعوه بيع البت جزارين». وكان علي الأسود المرزوقي صديقاً مقرباً للقذافي الذي كان يلتقيه باستمرار، وقد منحه وسام الفاتح وقد رثاه عندما قتلته قوات «الناتو» قبل ثلاث سنوات.
علي الأسود المرزوقي عانى في حياته من حصار النظام السابق في تونس الذي كان يعد عليه أنفاسه لكنه لم يرحّب بالربيع العربي الذي كانت بدايته من تونس. وقد كتب قصيدة شهيرة في وصف الربيع العربي الذي اعتبره نكبةً حلّت بالعرب ستنتهي بهم الى مزيد التقسيم والحروب الأهلية، وهو ما يحدث اليوم. اذ وصفه بأنه «ربيع الغبنة» (الخديعة) و«ربيع غرقت فيه مراكبنا». ما يحسب لعلي الاسود المرزوقي ليس التزامه الوطني والقومي وانتصاره للفقراء والمعدمين وتنديده بالاستعمار والهيمنة على مقدرات الوطن العربي والدور القذر الذي تلعبه قطر كوكيل إسرائيلي في الوطن العربي فحسب، بل كان من أهم المجددين في الشعر الشعبي في تونس، وقد نعاه الشعراء حال موته بقصائد ارتجلوها.
منذ رحيل أحمد البرغوثي أحد أشهر الشعراء الشعبيين في الجنوب التونسي في النصف الاول من القرن الماضي، لم تعرف تونس شاعراً بشهرة علي الاسود المرزوقي ولا في موهبته. وداعاً «عمّ علي» كما يناديه أحبابه. عشت كبيراً، ومت خالداً خلود الشعر.
في سطور
ولد علي الصغير الاسود المرزوقي في صحراء دوز من محافظة قبلي جنوب غربي تونس عام ١٩٣٩ لعائلة من البدو الرحل. لكنّه سجل في الوثائق الرسمية على أنّه مولود سنة ١٩٣٦. فشقيقه المولود سنة ١٩٣٦ مات في الصحراء، ولم تستخرج العائلة شهادة وفاته وهي عادة كانت جارية بين البدو، وحافظ بذلك على نفس تاريخ شقيقه الميت ولذلك سمي بـ«علي الصغير». من عائلة فقيرة، عرف اليتم باكراً وهاجر عام ١٩٦٨ الى فرنسا وألمانيا وهولندا التي استقر فيها، وكان ناشطاً في نقابات المهاجرين. عرف طريقه الى الشهرة منذ عام ١٩٧٣ عندما أجرت معه صحيفة هولندية حواراً دافع فيه عن سلامة الموقف العربي بقطع البترول عن أوروبا. أصدر أعوام ١٩٨١ و١٩٨٢و ١٩٨٣ أشرطة شعرية لاقت رواجاً كبيراً في تونس وليبيا والجزائر. ترك مجموعة كبيرة من القصائد والتسجيلات الصوتية التي ستصدر قريباً.
المصدر: الأخبار