حبل الكذب القصير
في عالم تتصاعد فيه الفوضى وتزداد وتيرة الاضطراب يوماً بعد يوم، يتحول الصمت تجاه ما يحدث في غزة إلى نوع من التواطؤ والقبول بما يحدث والذي تجاوزت فيه وحشية الإبادة الجماعية حدود الواقع والخيال البشرية، ووصلت إلى درجة غير مسبوقة من التطرف والعنف.
يدرك كل ذي عقل أن الحرب الهمجية على غزة وأهلها إحدى ملامح انهيار النظام العالمي وقواه المهيمنة. وأن الاستمرار في سياسات نشر الفوضى وتعميقها والتحول باتجاه استخدام القوة وفرض قانون الغاب، ما هو إلا تعبير عن حجم وعمق جروح قوى الهيمنة وتأزمها إلى درجة أنه لم يعد أمامها سوى الحروب ومجازرها الفظيعة. وبناء على ذلك يظهر تغاضي الإعلام العالمي والعربي وإشاحة وجهه عن المجازر الصهيونية بحق الأطفال والنساء والشيوخ كجزء من العدوان الذي ذهب ضحيته آلاف الشهداء والجرحى خاصة في الفترة الأخيرة التي تمادى فيها الاحتلال مستغلاً تراجع الاهتمام الإعلامي، وخاصة الإعلام العربي، وغيابه عن نقل الحدث، مبرراً ذلك بتركيزه على الحدث الجديد في المنطقة وانشغاله بتفاصيل ما يحدث في سورية، على أهميته، بينما تحولت أخبار فلسطين إلى أسفل الشاشات وتركت غزة وأبناءها لمواجهة العنف والموت بأبشع صوره لوحدها تقريباً.
تتناول الصفحات بعضاً من أهوال ما يحدث هناك، تظهر لقطات فيديو مجموعة من الكلاب الشاردة وهي تنهش جثث ملقاة في الشوارع لشهداء في غزة أمام أعين جنود العدو. تثبت قسوة الفيديو الذي لا يمكن أن يتحمّله عقل إنسان، مدى الإجرام الذي وصل إليه العدو وآلة القتل لديه، وقام جيش الاحتلال بحرق مشفى كمال عدوان بعد إخراج طواقمه ومرضاه في البرد القارس إضافة إلى تزايد عدد الأطفال الذين ماتوا من البرد واستشهاد الصحفيين، وقد منع العدو طواقم الدفاع المدني من انتشال الجثث وإنقاذ المصابين، مما فاقم من أعداد الضحايا شهداء وجرحى، خصوصاً بعد أن دمر العدو المستشفيات وسيارات الإسعاف. كل ذلك وسط صمت سياسي وإعلامي عام تقطعه قناة أو صفحة هنا وهناك.
يعطي الانجرار وراء حدث دون الآخر، وانشغال قنوات عربية ومؤسسات إعلامية كبرى تدعي تمثيلها للصدق والموضوعية بأدق التفاصيل التي تحدث في هذا المكان أو ذاك، انطباعاً بأنه ليس بريئاً. تركز بعض الوسائل على استحضار أجواء الفرح وتأخذ استراحة من السياسة بحجج مختلفة بينما تعيش المنطقة على وسط بركان من الأحداث والتغييرات. ويشعل تصريح هنا وصورة أو خبر فني هناك جدالاً ونقاشاً إعلامياً حاداً بينما تنزف غزة وتشيع شهداءها بصمت. تستخدم الكثير من الوسائل الإعلامية طرقاً متنوعة لتنأى بنفسها عمّا يحدث وتتخلص من حرج الكلام عن وحشية الصهيونية وإجرامها، وقد تعرض تبريراً لفعلها، وقد يصدقها البعض إلى حين، ولكن كل ذلك لا يمكنه طمس الحقائق.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1207