جائزة بطعم الدم
ثمة نزعة في تصنُّع «الحياد» تستخدمها كثير من الشخصيات في الأوساط الثقافية والفنية في منطقتنا المشتعلة ليس فقط تجاه الدم المسكوب وكل المجازر التي تحدث، بل تجاه مجمل قضايا الصراع بين شعوب المنطقة والقوى الاستعمارية، وكذلك مجمل قضايا الناس وهمومهم بشكل عام.
يتخذ هذا «الحياد» أشكالاً ووجوهاً عديدة، منها «الصمت»، ومنها «المساواة بين الجلاد والضحية»، ولكنه أحياناً يتجاوز كل الحدود ويصل إلى درجة الوقاحة وتبني وجهة نظر العدو، ووجهة نظر القوى الغربية التي تقف وراءه وتموله وتدعمه بالوسائل كافة.
«تعالج الرواية بعمق آثار الحرب على الأفراد والمجتمع، حيث تحمل الشخصيات ندوباً ظاهرة وغير ظاهرة، سواء كانت جسدية أو نفسية...»، هكذا وصفت صحيفة لوموند رواية «حوريات» للكاتب الجزائري كمال داود الذي فاز بجائزة دورة 2024 في صنف الرواية، حسبما أعلنته أكاديمية «غونكور» الفرنسية في الرابع من الشهر الجاري.
وكمال داود هذا، لمن لا يعرفه، كاتب وصحفي جزائري المولد، انتقل إلى فرنسا في 2023 بعد حصوله على الجنسية الفرنسية. وانتمى خلال فتوَّته وشبابه إلى التيار الإسلامي، وتحديداً إلى «جبهة الإنقاذ الإسلامية» الجزائريَّة. ثم تحول مع كثيرين من أمثاله، إلى التطبيل للغرب، وانقلب تحتَ لافتة المراجَعة الفكريَّة، إلى متحدث بـ«الوكالة» عن آلة الدعاية الغربية في تجريم المقاومة والدعوة إلى الوقوف ضدها وضد حاضنتها الاجتماعية بشكل علني، وضرورة التخلي ليس فقط عن التضامن مع فلسطين بل التخلي عن التضامن مع الشعب الفلسطيني ومناصرته ضد المجازر التي ترتكب بحقه، في مفارقة هزلية ومضحكة ليس فقط لصاحب الكلمات الطنانة حول: «آثار الحرب على الأفراد والمجتمع، حيث تحمل الشخصيات ندوباً ظاهرة وغير ظاهرة، سواء كانت جسدية أو نفسية...»، بل لأكاديمية «غونكور» التي منحته الجائزة وكان قد سبق له أن وصل إلى الترشح، ولكنه لم يفز إلا بعد ما أعلن ولاءه بوضعه خاتمةً لكتاب جماعي بعنوان «7 أكتوبر2023. مذبحة ضدَّ اليهود في القرن الحادي والعشرين» يبصم فيها على الجرائم الحاليَّة في غزة والضفة ولبنان ويؤكد دعمه اللا مشروط للكيان الصهيوني.
ليس هذا سوى أحد نماذج الانبطاح أمام سلطة المال والشهرة التي يغدق فيها الغرب على بعض الأوساط ويسخرها لمصالحه. وهؤلاء على كثرتهم ليسوا سوى غبار سيتم مسحه لاحقاً كما مسحت الشعوب الغربية من قاموسها دعاية الكيان الصهيوني وداعميه بعد كشف وجهه الإجرامي وتوحشه.
تكشف المواقف أصحابها. وكذلك تكشف الحقيقة الكامنة وراء ادعاءات المؤسسات الثقافية الغربية وانحيازها لإعداء الحياة وزيف لافتات الحرية والتعبير والعدل وغيرها من صنوف الكذب.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1200