هل كانت مجرد كوميديا سوداء؟
فتح الهجوم على لبنان من خلال تفجير أجهزة الاستدعاء (Pager) الأعين على عدة قضايا، واستدعى النقاش حولها بكثافة بين الناس وعلى وسائل التواصل والإعلام.
استدعى المشهد المؤسف والصادم، مقارنةً بين ما حصل على الأرض وبعض ما أنتجته هوليود من أفلام ومسلسلات، من بينها فيلم «كينغزمان: الاستخبارات السرية» إخراج ماثيو فون، ففي المشهد الأخير من الشريط الصادر عام 2014، والذي كان يُنظر إليه على أنه نوع من الكوميديا السوداء أو يصنّف في خانة المبالغة والخيال العلمي، تؤدي إشارة عالمية مُرسلة عبر شرائح الاتصال (SIM) إلى تفاعلات متسلسلة عنيفة ومتزامنة، وتسفر عن انفجار رؤوس الناس. إضافة إلى كمية ضخمة من الدمار المتخيل كافية لإدخال الناس ليس فقط في حالة من الصدمة، بل حالة من الذهول والشعور بالإحباط والعجز وعدم القدرة على التفكير المنطقي والتصرف على هذا الأساس.
استدعى ما حدث واقعياً في لبنان تساؤلات عديدة محقة، يتعلق جزء كبير منها حول مدى سهولة استغلال التكنولوجيا المتطورة التي نستخدمها بشكل يومي ونعتمد عليها، لأغراض شنيعة، واستخدامها لقتل الناس وترويعهم فضلاً عن إحداث دمار هائل مفاجئ ومنسق؟ خاصة بعد أن عكست الأجواء المروّعة على الأرض بعد الحدث مباشرة حالة من الفوضى السريالية كان قد صورها الفيلم المذكور، حيث تحولت أجهزة الاتصال العادية إلى أدوات قتل وإجرام. واستُخدمت أجهزة تبدو غير مؤذية (شرائح الاتصال في الفيلم وأجهزة الاستدعاء في لبنان) كسلاح من بُعد. وأثار ذلك قلقاً سياسياً ومجتمعياً عميقاً، فما كان يُنظر إليه سابقاً على أنه مبالغة سينمائية لا يمكن حدوثها، أصبح الآن واقعاً يمكن حدوثه وتوقعه، مما ينفي الخطوط الفاصلة بين الخيال والواقع.
ثمة خوف واسع النطاق ظهر سابقاً بعد الحرب العالمية الثانية واستخدام الولايات المتحدة الأمريكية حينها القنبلة النووية في هيروشيما وناغازاكي، والنتائج المفجعة والمأساوية التي تبعت ذلك، خوف يزداد ويتعمق كلما بدأت حرب في مكان ما. لقد أثارت المشاهد المفجعة لآثار الهجوم على لبنان نقاشاً حول نقاط الضعف في العصر الرقمي، وهشاشة أنظمة الاتصالات الحديثة حيث يمكن فيها للتكنولوجيا التي تجعلنا نتواصل مع بعضنا أن تنقلب ضدنا بالسهولة نفسها.
لم يكن فيلم «كينغزمان» الوحيد فقد ذكّر الهجوم كثيرون بمسلسل Black Mirror الشهير أيضاً، وتوالت التعليقات على منصات التواصل الاجتماعي حول الشبه بينهما، وأشار بعضهم إلى أنّ «المطابخ التي أنتجت هذا المسلسل هي ذاتها التي تفكّر في ارتكاب أمور مماثلة في الحياة الحقيقية».
لم يرغم الحدث المفجع في لبنان الناس على التفكير بكيفية مواجهة الجانب المظلم للتكنولوجيا فقط، بل أدى إلى التفكير حول مواجهة من يستفيد من استغلالها أيضاً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1193