لا عين ترى ولا أذن تسمع
ثمة من حاول ويحاول تشتيت الناس وإبعادهم عن بعضهم بعدة أشكال بهدف تشتيت قواهم أولاً، واحتوائهم والتحكم بمصيرهم لاحقاً، سواء قبل الأزمة أو أثناءها، وما زال ذلك يجري على قدم وساق. ولكن الواقع يفرض نفسه على الجميع، فكما أن لكل ظاهرة أكثر من وجه وسبب، كذلك لها أكثر من نتيجة، اليوم يجتمع السوريون أيضاً بأشكال متعددة، تجمعهم هموم واحدة وشعور بالذل والبؤس والشقاء.
كل شيء في هذه البلاد قابل للتدوير حتى البشر. ولا شيء عصي على من يريد استمرار الوضع على ما هو عليه، غير آبه بالناس وما آلوا إليه. تنتشر اليوم ظواهر عجيبة وقصص مليئة بالقهر وما زالت تسير من منحدر إلى آخر.
في سوق الهال، فتيات صغيرات يعملن بالعتالة، تحمل الواحدة منهن أغراضاً وصناديقَ ثقيلة، ترفعها إلى الشاحنة أو تنزلها. في منطقة دف الشوك بدمشق، ثمة ساحة تجتمع فيها النساء للعمل، يجري فرزهن من قبل متعهدة، «معلمة»، مسؤولة تقوم بتوزيع الشغل عليهن، إلى اختصاصات متعددة ومتنوعة، العتالة، نبش الحاويات وفرز ما جرى تحصيله من محتويات «نايلون، حديد، ألمنيوم، بلاستيك، خشب كابلات كهربائية.. إلخ.
وقسم منهن يرسل إلى الأماكن التي هدمت في الحرب، مثل الحجر الأسود، ليعملن هناك بالهدم واستخراج بعض المواد التي تستخدم في البناء مثل الحديد. تحملُ الفتاة «مهدّة» تزن أكثر من عشرة كيلو غرامات، وتقوم بتحميل ما استخرجته من حديد في شاحنات تأخذه، ليعاد تدويره وبيعه ومن ثمّ استخدامه في البناء ثانية! بغض النظر عن فعاليته المنخفضة ومواصفاته الفنية غير المدروسة، يستخدمه المتعهدون في البناء لأنه أرخص من الحديد الجديد، وبغض النظر أيضاً عن النتائج التي ممكن أن تكون كارثية «كما حدث في حي التضامن عندما انهدم بناءان فوق رؤوس الناس».
عمليات فرز المواد المختلفة أيضاً تقوم بها فتيات يتعرضن لإصابات وأمراض ولصعوبات شتى في مكان العمل تصل إلى حد الإجرام خاصة الأماكن المهجورة وشبه المهجورة. دون أن يكون لديهن حماية، ولذلك يلجأ البعض منهن إلى أعلى درجات الشراسة لحماية أنفسهن.
المتعهدة «المعلمة» تأخذ من أجرهن الشحيح «كومسيونات»، باعتبارها ترسلهن إلى كل جهة يلزمها شغيل، وهذه أيضاً لها «معلمة» أخرى أساسية.. لها ارتباطاتها الخاصة! مئات من الفتيات والنساء دون حماية بالمعنى الاجتماعي يجبرهن ضغط الوضع المعيشي على تحمل هذا الذل.
أما الدولة الموجودة بكامل مسمياتها، لا عين ترى ولا أذن تسمع.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1160