سلاح جديد.. المقاطعة وإنتاج البديل!
يُشكّك كثيرون بجدوى دعوات مُقاطعة البضائع «الاسرائيلية» وفاعليّتها التي رافقت الاحتجاجات العالمية الواسعة والمتنوعة ضد إرهاب الكيان الصهيوني منذ بدء طوفان الأقصى، وكانت أحد أشكالها.
كانت السمة الأبرز لهذه الدعوات، نشر صور وفيديوهات على منصّات التواصل الاجتماعي، تحتوي على أسماء الشركات التي تتعاون مع الكيان وتدعمه، إضافة إلى ملصقات بعض المُنتجات المصنعة في دولة الاحتلال والدعوة إلى مقاطعتها وشراء المحلّي البديل عنه.
في عام 2015، أنشأ الكيان الصهيوني مكتب مناهضة المقاطعة في «وزارة الشؤون الاستراتيجية». واعتبر نتنياهو حملات المقاطعة «تهديداً استراتيجياً لإسرائيل» في عام 2017، وتقوم في الغرب عموماً، وفي ألمانيا والولايات المتحدة محاولات لمحاصرة هذه الحملات وتجريمها.
ربما لم تحقق دعوات المقاطعة الحالية التي تعد أكثر انتشاراً من حملات المقاطعات السابقة نتائج فورية، أو تتسبب في أضرار اقتصادية عميقة للكيان، إلا أنّها أسهمت في تطوير وعي سياسي حول العالم تجاه القضية الفلسطينية، إذ اعتبرها كثيرون واجباً إنسانياً وأخلاقياً تجاه ما يحدث على مرأى الجميع من مجازر في غزة.
كابوس إنهاء التبعية
وفي رسالة مفتوحة إلى رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، أشارت مجموعة من اقتصاديي دولة الاحتلال إلى خطورة الوضع قائلة «أنتم لا تفهمون حجم الأزمة الاقتصادية التي يواجهها الاقتصاد «الإسرائيلي» «. ومؤكدين مخاوفهم من أن تتجاوز المقاطعة مجرد امتناع الناس عن شراء بعض السلع. فالمرحلة الثانية والأهم من حملة المقاطعة هي إنتاج بدائل لمنتجات شركات دولة الاحتلال وداعميه، مما يعني القضاء على التبعية في جميع القطاعات، بما في ذلك الاقتصاد والمالية. وكلما زاد عدد المنتجات الوطنية المماثلة ومجالات استخدامها، زاد الضرر بالهيمنة العالمية لرأس المال المالي، وهو الكابوس الذي يخافه الاقتصاديون الغربيون.
إن مخاوف النخبة الاقتصادية العالمية محقة، فقد أدت تبعات الحظر البحري الذي تفرضه القوات المسلّحة اليمنيّة على موانئ الكيان الصهيوني إلى تشكيل الولايات المتحدة الأمريكية تحالفاً بحرياً في محاولة لردع اليمنيين. أما فيما يتعلّق بالمكاسب الدبلوماسية للمقاطعة والاحتجاجات ضد إرهاب الكيان الصهيوني، فقد وضع قطع بعض الدول علاقاتها الدبلوماسية معه أو خفضها إلى أدنى مستوى تحت ضغط شديد، مع مؤيديه، على الساحة الدولية، خاصة بعد أن زادت الحرب في غزة خسائر الكيان الاقتصادية، بسبب تعطل السياحة فيه، فضلاً عن المستثمرين الذين تركوا الكيان سواء من الأجانب، أو حتى من «الإسرائيليين»، وتراجع عملته أيضاً.
أبعاد متنوعة لغاية واحدة
هناك ضرورة للتفصيل في أنواع الشركات وتوضيح مجالات عملها وطرق دعمها للكيان الصهيوني عند الحديث عن موضوع المقاطعة، فهناك المُنتج المُصنّع في دولة الاحتلال، ويتميز بأنّه مُنتجٌ صُنع على أرض مسروقة من أصحابها الفلسطينيين، وأمواله تذهب لبناء المُستوطنات ولدعم البُنى التحتيّة فيها، وهو يدعم الجيشَ بحجّة «المسؤولية الاجتماعيّة»، فعلى سبيل المثال، تمد شركة «تنوفا» وحدات في جيش الاحتلال بمنتجات الألبان، وتبني لها مراكزَ للتدريب. وفي عام 2013، تكفّلت باحتياجات وحدة «شالداغ»؛ وحدة الكوماندوز التابعة لسلاح الجو. وهذا غيضٌ من فيْض. وقد قدمت شركة «كارفور» آلاف الطرود المجانية والشحنات الشخصية لجنود جيش العدو الإسرائيلي، بينما سارعت المجموعة نفسها إلى إخراج المنتجات الروسية من متاجرها تضامناً مع أوكرانيا، حسب ما أكدته حركة مقاطعة إسرائيل في منشور على منصة X .
ثمة شركات أخرى يشمل عملها ودعمها «لإسرائيل» أبعاداً متعددة ومتنوعة، منها البُعد الأيديولوجي، ومنها: «نستله» و«بيبسيكو» و«ستاربكس» و«جونسون أند جونسون» و«لوريال» و«مارس»، وكمثال على الدعم الأيديولوجي سحبت شركات «نستله» و«بيبسيكو» و«أورانج» رعايتها لـ «مهرجان الجونة السينمائي» في مصر لدعمه الشعب الفلسطيني وإلغائه، أي مظاهر احتفاليّة! وتمتلك بعض تلك الشركات مراكز تطوير وأبحاث في الكيان وفي بلد المنشأ فقط.
أما شركة ستاربكس فقد هاجمت نقابة عمالها على خلفية نشر النقابة بياناً تضامنياً مع فلسطين.
إن لم يستطع بلسانه أو بقلبه
يعتبر السوقُ الفلسطينيُّ من أكبر الأسواق المستهلكة للمنتجات «الإسرائيلية»، بحكم وقوعها تحت الاحتلال، ومع ذلك يحاول الفلسطينيون مقاطعة بضائع الاحتلال ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. فحسب تقرير أعدته مؤسسة «راند كوربوريشن» الأمريكية عام 2015، تسببت المقاطعة الاقتصادية «لإسرائيل» ما بين 2013 و2014 في خسارة تراكمية تقدر بحوالي 15 مليار دولار.
يمتنع البعض عن المُقاطعة، بسبب توهمه مُبالغات مبنية على كذب إعلامي، وأوهام وأساطير مبنية تارة على الإعجاب بالعدوّ وتارة على الهوسُ بأنه مُتحكّم في جميع مفاصل الحياة، فتتعزز بذلك أفعال مبنية على الانهزام، مثل مسألة شراء المُنتجات «الإسرائيليّة».
رغم الأثر الصغير للفعل الفردي، إلا أنه يتوقف عليه الكثير، فالفعل الفردي قد يكون الخطوة الأولى في مراكمة على أفعال، كمّياً ونوعيّاً، لتتحول إلى الفِعل الجماعي. ورغم أن مواجهة شركات عالميّة بهذا الحجم، ومن يقف خلفها من دول، ليس بالأمر السهل، كما أنه ليس من السهل نفسياً على المرء، بناء على معطيات علم النفس، التخلي عن العادات الاستهلاكية أو تغييرها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1156