الهدف الأعلى
خطوة واحدة نحو تحقيق هدف أعلى من أهدافه، وحلم أكبر من أحلامه، كفيلة بأن تخرجه من أزمته العميقة، وهذه الأخيرة تعتمد بشدة على حالته المتأرجحة بين الحيرة والشكيمة، فتحفر له ببطء شديد، قبراً جميلاً يتسع لخلاصه الفردي. أحقاً مصير الفرد مرتبط بها؟ «إنه السؤال ذاته، والاستفهام الكبير المرتسم أبداً في لوحة أيّامه. ولئن كان يحسّه سابقاً شوكة تخز به، فإنَّه، في هذا الجوِّ الكدر، يشعر به مطرقة تدقّ صدغيه في طلب الجواب» (١).
أحياناً نحتاج إلى إعادة الأسئلة المعقدة إلى مصدرها البسيط المألوف، وتحديداً بعدما أصبحنا ندرك، بأننا نحمل ذاكرتين متناقضتين متصارعتين. ذاكرة أولى تنتمي إلى واقع اجتماعي عفا عليه الزمان، وذاكرة ثانية كامنة في واقع اجتماعي متأزِّم، ولم ينفرج بعد. وعليه ذات مرةٍ دخلنا في هذا النقاش
ما هي العناصر التي بدونها لا وجود للواقع الاجتماعي؟
مكان وزمان.
وماذا بعد؟
حركة اجتماعية مركبة تحمل بداخلها، الحركة البيولوجية، والكيميائية، والفيزيائية، والميكانيكية.
وما هو الهدف الأعلى لهذه الحركة؟
خلاص جماعي من المنظومة الرأسمالية التي تعيق تقدم حركتها، بالإضافة إلى...
مهلاً يا حزب الإرادة الشعبية، هذا كلام لا يقدم ولا يؤخر، وإنني بغنى عنه.
قاطعنا أحد الأصدقاء، ثم رحل إلى «حياة جديدة، وجذابة، تتلألأ أمامه في آفاقه المشرقة» (٢).
لكن ماذا كان يفعل قبل أن يحدد أهدافه الصغيرة، ويحلق بين غيوم أحلامه الغفيرة؟
يبدو أنه كان في حالة «إنسان اضطرّ إلى التوقف بين مرحلتين من سفرة واحدة. لم يعد يستطيع متابعة السفر، ولا هو ينوي العودة من حيث أتى» (٣). ولكي يخفف عن نفسه وطأة الحيرة كان يستمع إلى صوت نقي يغني: «من هنا سكة ملامة... من هنا سكة ندامة... سكتين يا للا السلامة... أمشي فين يا ناس قولولي... قيدوا شمعة ونورولي» (٤). وعندما تبين له ملامح الطريق المختفي بين الأشواك، بدأت تنبت لديه من جديد رغبة جامحة تدفع به للبحث عن خلاصه لوحده. على كل حال، لمَن «أضحى عليه الآن أن يفتش عن طريق البدء.. عن أول الحلم..» (٥). لا بد له بأن يسأل ويجيب بذات الصوت النقي: « هما مين واحنا مين» (٦). وعليه سيخطو أوّل خطوٍ نحو خلاصه بخلاص الآخرين.
(١) - (٣) «الشراع والعاصفة» تأليف: حنا مينة.
(٢) «الليالي البيضاء» تأليف: فيدور دوستويفسكي.
(٤) - (٦) كلمات: أحمد فؤاد نجم، ألحان: الشيخ إمام.
(٥) «موت سرير رقم ١٢» تأليف: غسَّان كنفاني.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1153