حكاية تشابايف المعاصرة
حكاية تشابايف المعاصرة هي حكاية مستقبل كل بلد اليوم، وإن كان الزمان والمكان غير ذلك الزمان والمكان حيث دارت أحداث الحكاية قبل أكثر من قرن. ويصدف أن العدو الذي سيقاتل ضده تشابايف المعاصر ورفاقه هو نفسه النظام الرأسمالي الإمبريالي، مع بعض الفوارق التي تميز الرأسمالية الحالية عما كانت عليه الحال قبل مئة عام.
شخصيات الحكاية المعاصرة أناس حقيقيون وصانعو التاريخ الجديد الذي حان أوانه كما كانت شخصيات الحكاية الغابرة. وسيكتبون قصتهم الجديدة في القرن الواحد والعشرين حتى تتحقق المهمة النبيلة الكبرى للبشرية، اشتراكية القرن الحادي والعشرين.
فورمانوف وتشابايف
لم يعمر ديمتري فورمانوف طويلاً فهو لم يكمل الخامسة والثلاثين من العمر. لقد كان دائماً في العمل الحزبي وفي معارك الحرب الأهلية وعندما يحمل القلم وراء طاولة الكاتب. لقد كان نفس المقاتل الثوري والبناء الثوري. عنيداً ومرناً دائماً. درس في كلية التاريخ والآداب في جامعة موسكو. وعندما انتسب إلى حزب البلاشفة، كتب في مذكراته: الآن بلغت الشاطئ المرمري الجبار _ الصخرة، وعليها سأبني قلعتي _ قناعتي. من أعماله الأدبية: الإنزال الأحمر 1921، تشابايف 1923، العصيان 1925.
انضم فورمانوف إلى فصيل عمال النسيج الذي أرسله البلاشفة ليعمل في الفرقة 25 التي يقودها فاسيلي تشابايف، والتي عين فورمانوف قوميساراً لها. ويعود الفضل في الكثير من النجاحات التي حققتها هذه الفرقة إلى العمل السياسي الذي كان يقوده فيها فورمانوف. وتتحدث رواية تشابايف عن هذه المعارك، وتبدأ الرواية بـ «فصيل العمال» وهم 1000 من عمال النسيج الشيوعيين المعمدين في غمرة النضال الثوري الذين يرسلون إلى فرقة تشابايف المكونة بكاملها من جماهير الفلاحين. بل إن تشابايف نفسه «تتوهج أنفاسه بروح الأنصار غير المنضبطة». وصورت الرواية نماذج رائعة للأنصار السيبيريين في الحرب الأهلية التي أعقبت ثورة أكتوبر.
إن تاريخ العلاقة بين القوميسار كليتشكوف وقائد الفرقة الشهير تشابايف تصور بسطوع ذلك العمل التربوي الذي قام به العمال البلاشفة بين جماهير الأنصار الفلاحية. وكان البلاشفة قد قرروا التأثير في الجماهير العفوية ووضعها تحت تأثيرهم الفكري، لذلك بدأوا من الرأس، من القائد، من تشابايف. وإلى ذلك الشخص انصب اهتمام البلاشفة وتركيزهم.
إن تشابايف مصور خلال تطوره، ففي البداية نراه واقعاً تحت سيطرة العواطف الاجتماعية ليس لديه سوى تصور مبهم عن أهداف الصراع الثوري. ويتغلب القوميسار بصبر على شكه العنيد بالنظرية العلمية معتمداً في ذلك على ذكاء تشابايف وإخلاصه الشديد. فيربي في هذا البطل الشعبي صفات المناضل الواعي ويساعده على رؤية الآفاق التاريخية العريضة للنضال. لقد أعطى هذا العمل نتائج رائعة، قائد الأنصار العفوي ينمو فيصبح منظماً حقيقاً للجماهير وقائداً عسكرياً عظيماً. وهنا صورة لانتقال الجماهير التاريخي في الثورة من العفوية إلى المشاركة الواعية في النضال السياسي عندما تبدأ لحظات انتصار الجديد على القديم.
قبيل وفاته بلحظات قال فورمانوف الكلمات التالية: «أنا لم أقل كل شيء بعد، لم أفعل كل شيء، ما أكثر ما يجب عليّ أن أفعله». لقد تمنى سنوات إضافية، حياة إضافية ليعطي المزيد للثورة الاشتراكية.
أما فاسيلي تشابايف، فخلدته رواية تشابايف التي كتبها فورمانوف، وكذلك الأغاني الشعبية والسينما السوفييتية، وما زالت إحدى البلدات تحمل اسمه في كازاخستان حتى اليوم.
كان تشابايف إنساناً حقيقياً، واحداً من أشهر قادة الجيش الأحمر، وهب حياته للثورة عندما حان وقتها، وأدى مهماته التاريخية في حياته القصيرة التي بلغت 32 عاماً فقط لا غير.
دروس الحكاية
لحكاية تشابايف دروس عديدة، ومن أهم دروس حكاية تشابايف المعاصرة هي طريق البشرية القادم في السير نحو عالم أفضل، عالم العدالة الاجتماعية وطريق الثورة الاشتراكية المعاصرة.
ومن الدروس بالغة الأهمية، هي قدرة الرواية على تصوير لحظة تطابق الحركة الشعبية مع الحركة السياسية، تلك اللحظة التي تتبلور فيها حركة ثورية جبارة تصبح مثل الموج الجارف الذي يستطيع تنفيذ المهام التاريخية في حركة حان أوانها.
جاء في الرواية: لقد قام تشابايف بطرفات كثيرة. يقولون إنه في عام 1918 ضرب بالسوط شخصية «عالية المقام» إلى حد كاف، وأنه أجاب آخر «بشتيمة رذيلة» برقياً، وكتب على أمر أو مسعى أصدره ثالث حاشية تتهدل الآذان لدى قراءتها. أنه شخصية فطرية! كان لا يزال لا يدرك الكثير ولا يستوعب الكثير، ولكنه قد بدأ ينجذب لا بالغريزة وإنما عن وعي، إلى الكثير من الأشياء الحكيمة المشرقة.
الحركة الثورية تحيي في الإنسان أفضل صفاته وقدراته، وتقمع فيه أسوأ صفاته خلال الصراع الهادئ المتواصل. وإذا قلنا إن فاسيلي تشابايف هو رمز وطني في روسيا، وهذا صحيح، ولكنه ليس كل شيء. لأن تشابايف هو رمز أممي أيضاً، ومدرسة جيدة يمكن تعلم الكثير منها.
وعندما أنتج الروس مسلسلاً جديداً عن هذا الرمز منذ حوالي سنتين، وهم يعرفون سلفاً تشابايف الوطني وتشابايف الأممي اللذَين لا ينفصلان، يريدون إحياء تشابايف الجديد في الإنسان الروسي خلال ظروف المعركة الحالية التي تخوضها روسيا على جميع الجبهات. المسلسل متاح مجاناً على الإنترنت بالإضافة إلى عدد كبير من الأفلام والمسلسلات التي تخدم نفس التوجه، وهذه نقطة تسجل لهم لأن خصمهم يسلع مواده الإعلامية والسينمائية، وقد بدأ الروس ومعهم الصينيون يكسرون هذا الشكل من الإعلام، وهم بذلك متقدمون على خصومهم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1128