الزلازل في تراث بلاد الشام
ناجي النابلسي ناجي النابلسي

الزلازل في تراث بلاد الشام

تعرّضت بلاد الشام بين القرنين الأول والثالث عشر الهجريَّين (القرن 7 إلى 19 للميلاد) لنحو 79 «زلزلة» ذات أضرار مؤثّرة، استناداً إلى عددٍ من النصوص التراثية في المنطقة.

وفيما يلي بعض الزلازل التي تناولها كتُّابٌ لتراث منطقتنا، بحسب البحث الذي قام به خالد يونس الخالدي من قسم التاريخ والآثار في «الجامعة الإسلامية» في غزة بفلسطين، معتمداً على نحو 25 مرجعاً، ونشر في سلسلة الدراسات الإنسانية بمجلة الجامعة (المجلد 13، العدد الأول، ص67-92، كانون الثاني 2005).

سورية وفلسطين

ضربت مدينة حمص في شتاء سنة 15هـ/ 636م زلزَلةٌ هدمت الكثير من دورها. وضربت فلسطينَ زلزلةٌ قوية سنة 38هـ /658م، تلتها أخرى سنة 29هـ/659م. وفي سنة 43هـ/663م تعرّضت الشام إلى زلزلة لم يصلنا من أخبارها غير أنها أدّت إلى خراب قلعة رَعْبان (مدينة بالثغور بين حلب وسميساط قرب الفرات).
وسنة 94هـ/712م كانت «الرجفة بالشام»، ولا تتوفر معلومات عنها سوى ما ذكره القلقشندي في معرض حديثه عن الوليد بن عبد الملك 86-96هـ/ 705-714م حيث يقول: «وفي أيامه كانت زلازل عظيمة أقامت أربعين يوماً».
ومن أمثلة تأثير المعتقدات الدينية في وعي الناس بشأن تأويلهم ظواهر الطبيعة، وخاصةً عندما لا تكون التفسيرات العلمية لها قد ظهرت أو توطّدت بعد، يقول صاحب «الجواب الكافي» حول زلازل حدثت في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز (99-100هـ، 717-718م): «وكتبَ عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار، أمّا بعدُ، فإنّ هذا الرَّجْفَ شيءٌ يعاقِبُ اللهُ عزَ وجلّ به العبادَ. وقد كتبتُ إلى سائر الأمصار يخرجوا في يوم كذا وكذا في شهر كذا وكذا، فمَن كان عنده شيءٌ فليتصدَّقْ به فإنّ الله عزّ وجلّ قال: قد أفلح من تزكَّى وذكرَ اسمَ ربّه فصلّى، وقولوا كما قال آدم: ربّنا ظلَمْنا أنفُسَنا وإنْ لم تغفرْ لنا وترحمْنا لنكونَنّ من الخاسرين».
وضربت بلادَ الشام في رمضان سنة 130هـ/ أيار 748م زلزلةٌ عنيفة قتلت «عشرات الآلاف من الناس، وتهدّمت الكثير من الكنائس خاصةً في صحراء بيت المقدس». وذكر المنبجي أنها أصابت ساحل فلسطين وخسفت الكثير من الأماكن «وفُقِدَ فيها من الناس مائة ألفٍ ونيّف». وتهدّم بسببها أيضاً قسم من المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وظل الهدم قائماً حتى جاء العبّاسيون وقام الخليفة المنصور بترميمه.

من زلازل دمشق

في سنة 232هـ/ 846م حدثت زلزلةٌ في دمشق وحمص وأنطاكية، هدمت كثيراً من الدور وقتلتْ العديد من السكان. وفي شهر ربيع الآخر من سنة 233ه/ تشرين الثاني 847م «رجفت دمشق رجفة شديدة لارتفاع الضحى، وانتقضَتْ منها البيوت وتزايلت العظيمة، وسقطت عدّة منازل وطاقات في الأسواق على مَن فيها، فقتلتْ خلقاً كثيراً من الرجال والنساء والصبيان، وسقط بعض شرافات المسجد الجامع وتصدّعت طاقات القبّة في وسط الجامع مما يلي المحراب، وانقطع ربع منارة الجامع، فهرب الناس بالنساء، وهرب أهل الأسواق إلى مصلّى العيد يبكون ويتضرّعون ويصلّون ويستغفرون إلى المغرب، ثمّ سكن ذلك فرجعوا، فأخذوا في إخراج الموتى من تحت الهدم. وذكر بعض من كان في دير مران أنه كان يرى مدينة دمشق وهي ترتفع وتستقر مراراً، وقال أهل قرية من عمل الغوطة عن الرجفة أنها انكفأتْ عليهم، فلم ينجُ منهم إلا رجلٌ على فرَسِه، فأتى أهلَ دمشق فأخبرهم، وأصابَ أهلَ البلقاء مثلُ ما أصاب أهلَ دمشق مِن هدمِ المنازل في ذلك اليوم وذلك الوقت، وسقطت الحجارة من سور مدينتها، وسقط حائطٌ لها عرضُه ذراعٌ في ستّة عشر ذراعاً، وخرجوا بنسائهم وصبيانهم فلم يزالوا في دعاءٍ وضجيج حتى كفَّ الله عنهم برحمته، وعظمت الزلازل بأنطاكية وماتَ من أهلها خلقٌ كثير وكذلك الموصل، ويقال إنّه مات من أهلها عشرون ألفاً».
وقال القاضي أحمد بن كامل في تاريخه أن تلك الزلزلة قتلت من دمشق «معظم أهلها» ولم يقل «بعض أهلها»، ثم قال: «وكانت الحيطان تنفصل حجارتها من بعضها مع كون الحائط عرض سبعة أذرع، ثم امتدت هذه الزلزلة إلى أنطاكية فهدمتها، ثم إلى الجزيرة، فأخربتها، ثم إلى الموصل، يقال إنّ الموصل هلكَ من أهله خمسون ألفاً، ومن أهل أنطاكية عشرون ألفاً».

في الجبال والسواحل

في شوّال من سنة 245هـ/ كانون الثاني 860م كانت «بأنطاكية زلزلة قتلت خلقاً كثيراً وسقط منها ألفٌ وخمسمائة دار، وسقط من سورها نيّفٌ وتسعون برجاً، وسمعوا أصواتاً هائلة لا يحسنون وصفها من كوى المنازل، وهرب أهلها إلى الصحارى، وتقطع جبلها الأقرع، وسقط في البحر فهاج البحر، في ذلك اليوم، وارتفع منه دخانٌ أسود مظلم منتنٌ وغارَ منها نهرٌ على فرسخ منها فلا يُدرَى أين ذهب».
وتحدّث العديد من المؤرّخين عن زلازل وقعت في بلاد الشام سنة 245هـ/ شباط 860م، فقال الطبري: «زلزلت بالس والرقة وحرّان ورأس عين وحمص ودمشق والرّها وطرسوس والمصيصة وأذنه وسواحل الشام، ورجفت اللاذقية فما بقي منها منزلٌ ولا أفلتَ من أهلها إلا اليسير، وذهبت جبلةُ بأهلها». وقال ابن الأثير: «فتزلزلت ديارُ الجزيرة والثغور وطرسوس وأذنة، وزلزلت الشام فلم يسلمْ من أهل اللاذقية إلا اليسير، وهلك أهل جبلة».

من الشام حتى الأندلس

وقعت في بلاد الشام زلزلة عظيمة يوم الخميس، 2 شوال سنة 267هـ/ 4أيار 881م، ضربت في الوقت نفسه كلاًّ من مصر وبلاد الجزيرة والأندلس والمغرب. وبحسب الناصري «تهدّمت منها القصور، وانحطّت منها الصخور من الجبال، وفرّ الناسُ من المدن إلى البرية من شدّة اضطراب الأرض وتساقطت السقوف والجدران وفرّت الطيور من أوكارها وماجَتْ في السماء زماناً حتى سكنت الزلزلة وعمّتْ هذه الرجفةُ جميعَ بلاد الأندلس سهلها وجبالها وجميع بلاد العدوة من تلمسان إلى طنجة ومن البحر الرومي إلى أقصى المغرب»، إلاَّ أنه لم يمت فيها أحد بحسب المصدر.
وفي سنة 331ه/ 942م «حدث بدمشق زلزلةٌ عظيمة سقط منها زهاء ألف دار، ومات تحت الردم خلقٌ كثير، وخسفت قرية من قرى بعلبك، وخرج الناس من منازلهم إلى الصحارى». وفي سنة 393هـ/ 1002م «زلزلت الشام والعواصم والثغور، فمات تحت الهدم خلائق كثيرة».

سَمَكُ الزلزال يصطاد الناس

من الروايات عن زلزلة الرملة سنة 425هـ / 1033م قول ابن تغري بردي أنها: «هدمت ثلث مدينة الرملة، ونزل البحر مقدار ثلاثة فراسخ، فنزل الناس يصيدون السمك فرجع عليهم فغرق مَن لم يحسن السباحة»، ويقول ابن العماد الحنبلي: «وزلزلت الرملة فهُدِمَ نحوٌ مِن نصفها وخُسِفَ بقرى وسقط بعض حائط بيت المقدس، وسقطت منارة وجامع عسقلان وجزر البحر نحو ثلاثة فراسخ، فخرج الناس يتتبّعون السمك والصَّدف، فعاد الماء فأخذ قوماً منهم».

قلعة شيزر

في سنة 552هـ/ 1157م هزّت زلزلةٌ بلاد الشام، ومن بين ما هدمته قلعة شيزر، التي كان قد انتزعها علي بن منقذ من يد الصليبيين سنة 474هـ/ 1081م. وبحسب ابن أبي جرادة في معرض ترجمته لصاحب قلعة شيزر محمد بن سلطان بن منقذ: سقطت القلعة على أخيه وأولاده وزوجته الخاتون أخت شمس الملوك يعني بنت بوري بن طغتكين، فسلمت المرأة وحدها دونهم... وكان شرف الدولة غائباً، فحضر بعد الزلزلة، وعاين ما فعلت بشيزر وأخيه. وشاهد امرأة أخيه بعد العز في ذلك الذلّ فعَمِلَ [شعراً]: ليس الصباحُ من المساء بأمثلِ، فأقولُ للَّيل الطويل ألا انجلي/ شُلَّت يدُ الأيام إنَّ قِسِيَّها، ما أرسلتْ سَهماً فأخطأ مَقتلي/ لي كلَّ يومٍ كُربَةٌ من نَكبةٍ، يهمي لها جَفني وقلبي يَصطلي/ لو عاينَتْ عيناك قلعةَ شيزر، والسِّتر دون نسائها لم يُسبَلِ/ لرأيت حصناً هائل المرأى، غدا متهلهلاً مثل النقا المتهلهِلِ.
ولا تخلو مآسي الزلازل من اجتماع تناقضات الأحزان مع الطرائف، إذْ يُحكى أنّ صاحب شيزر محمد بن سلطان بن منقذ «كان قد ابتنى داراً وزخرفها، وجلس فيها، وعنده أولاده وبنو عمه وحاشيته وهم يتفرّجون على قردٍ عندهم، فجاءت الزلزلة وهدمت الدار عليهم، فلم ينجُ منهم غير القرد».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1112