الاشتراكية أم إعادة اختراع العجلة
لؤي محمد لؤي محمد

الاشتراكية أم إعادة اختراع العجلة

يدور الجدال حول مستقبل البشرية، وتمتد ساحة هذا الجدال حول العالم في وسائل الإعلام ودور النشر والجامعات، وبين الأحزاب السياسية، وخلال كل ذلك، تنتشر الطروحات المختلفة كحلول للأزمة الرأسمالية الحالية. ويطرح بعضها حلولاً خيالية مثل الكتاب الصادر في بريطانيا لمجموعة من المؤلفين «ماتياس شميلزر وأندريا فيتر وآرون فانسينجان» بعنوان «المستقبل هو تراجع النمو، دليل عالم ما بعد الرأسمالية»، الذي يلقي نظرة على تراجع النمو، ونواحي تدمير الرأسمالية للكوكب.

لفهم سبب تدمير الرأسمالية للأرض حسب مؤلفي الكتاب، تجب معرفة من السبب الذي يجبر الرأسماليين على البحث باستمرار عن الربح على حساب قدرة الكوكب على دعم الحياة. ونقل المحررون عن ماركس إن الدافع إلى النمو يدمر المصادر الأصلية للثروة: الأرض والعمال. وقال كارل ماركس إن هذا الإكراه نابع من التراكم التنافسي. حيث يتنافس الرأسماليون مع بعضهم البعض لتعظيم أرباحهم، ويضطرون إلى إعادة استثمار معظم الثروة التي يستخرجونها عن طريق العمال. وينشأ الإكراه على التراكم من المنافسة التي يواجهها الرأسماليون. وإذا لم يطوروا أساليب الإنتاج باستمرار، فإنهم يواجهون الخسارة أمام منافسيهم، مما يؤدي إلى إفلاس محتمل. وهذا يحبس الرأسماليين، فإذا لم يطوروا رأس مالهم إلى ما لا نهاية، فسوف يختفون.
يقول المؤلفون إن الغالبية العظمى يشعرون بالحاجة إلى بناء عالم من الإنصاف والمساواة والعدالة الاجتماعية: حركة تراجع النمو. لقد عانت الطبقة العاملة بالفعل من التقشف. والعديد من الاشتراكيين والنقابيين قلقون من أن الناس العاديين سوف يدفعون ثمن تدمير الرأسمالية للبيئة.
الكتاب مقسم إلى ثلاثة أجزاء. الأول يشرح ما هو النمو الرأسمالي. يشير المؤلفون هنا إلى مفكرين مختلفين، لكن من الجدير بالذكر أنهم يعتمدون بشكل كبير على أفكار ماركس بشأن التراكم. يستكشف الجزء الثاني كيف يؤدي الاقتصاد القائم على النمو الرأسمالي إلى تدمير البيئة واستغلالها واضطهادها. وأخيراً، يطرح المؤلفون رؤيتهم لمجتمع ما بعد الرأسمالية: حركة تراجع النمو. يقتبس المؤلفون بحماس شعار عمال العالم الصناعيين: بناء العالم الجديد في قشرة العالم القديم. ويوضح المؤلفون كيف يمكن لمجتمع تراجع النمو أن يعمل، وماذا سيعني ذلك لأولئك الذين سيعيشون فيه.
لسوء الحظ، فإن أكبر مشكلة هنا هي أن المؤلفين لا يقدمون نظرية قابلة للتطبيق والسير نحو التغيير. ويرتكز أساس حركة تراجع النمو على بناء اليوتوبيا الجديدة، وقد تشمل مبادرات مثل الزراعة المدعومة من المجتمع المحلي والتشارك والاقتصادات التضامنية والتعاونية.
ماذا يمكن للتعاونيات أن تقدم؟ فهي جزر محاصرة داخل الرأسمالية. من خلال البقاء محاصرين بمنطق السوق الخاص بالمنافسة والإنتاج من أجل الربح، ويعتمد سكانها أو عمالها على قوى خارجية بشكل حاسم، وبالتالي يمكن للرأسمالية أن تنظم نفسها لتدميرها.
المهمة الرئيسية اليوم هي تغيير الرأسمالية كمنظومة، وليس السعي إلى الحلول الجزئية التي تبقي على المنظومة، فالحركة التعاونية حمالة أوجه رغم أهميتها: من ناحية، يسعى العمال إلى تأسيس مختلف أشكال التعاونيات التي لا تقدم سوى الحلول الجزئية الصغيرة هنا وهناك حتى لو كانت التعاونيات كبيرة، ومن ناحية أخرى، لا تستطيع التعاونيات تغيير الرأسمالية.
من المخيب للآمال أن هناك محاولة صغيرة في هذا الكتاب لتوضيح دور الدولة الرأسمالية، إذ ينطلقون من بعض المحددات الصحيحة للوصول إلى نتائج غير صحيحة. فالدولة الرأسمالية التي تضم الشرطة والجيش والمؤسسات مثل الخدمات المدنية والنظام القانوني، موجودة لقمع أي محاولات تغيير جذرية. وفي النهاية تمتلك الدولة هيئات مسلحة يمكنها اعتقال المتظاهرين وقتل الثوار وتفريق التظاهرات والإضرابات. ولكن هل يمكن الوصول إلى التغيير بدون جهاز الدولة؟
يطرح المؤلفون مهمة إعادة توزيع الثروة لتلبية الاحتياجات البشرية وهي مهمة صحيحة. ولكن هذه المهمة الصحيحة لا تقوم على التعاونيات، بل تحتاج إلى جملة من العوامل مثل حزب الطبقة العاملة وجهاز الدولة وغير ذلك. فالتعاونيات كانت أحد أشكال تنظيم الاقتصاد الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي وليست الشكل الرئيسي. وعرف الاتحاد السوفييتي مثلاً نوعين من التعاونيات على أساس الملكية: الكولخوزات «ملكية تعاونية» السوفخوزات «ملكية عامة». وكانت الجرارات والحصادات ومختلف أنواع الآلات ملكية عامة في الكولخوزات التي تخضع في هذه الحالة لا للتعاونيات، بل للاقتصاد الاشتراكي.
طروحات المؤلفين عن عالم ما بعد الرأسمالية لم تتجاوز الرأسمالية شبراً واحداً، كما أن حشو الكتاب ببعض كلمات ماركس وشعارات عمال العالم الصناعيين لا تثبت صحة نظرية «حركة تراجع النمو» التي تطالب بإنشاء التعاونيات الزراعية والخدمية وتخفيض الإنتاج والصناعة وبناء اليوتوبيا الجديدة. فهذه الطروحات أحد أشكال اختراع العجلة في القرن الواحد والعشرين بالنسبة إلى البشرية التي تجاوزتها في القرن التاسع عشر على يد كارل ماركس وفريدريك إنجلز.
وضع المؤلفون شرطاً لعالم ما بعد الرأسمالية: إعادة هيكلة جميع المؤسسات الاجتماعية ذات الصلة بطريقة تمكنها من العمل بدون نمو اقتصادي! وطالبوا أيضاً بالسيطرة الديمقراطية على المؤسسات المالية والأسواق حتى تقلصها بشكل جذري، وفرض الضرائب على الأغنياء.
وغيبوا عن قصد أو غير قصد دور الطبقة العاملة والصراع الطبقي. فلا يوجد تغيير بدون القوى الاجتماعية القادرة على بناء بديل للرأسمالية. وبالنسبة للماركسيين، الطبقة العاملة هي القوة الاجتماعية الدافعة لهذا التغيير. إذ يفهم المؤلفون دور العمال في الإنتاج، لكنهم لا يفهون دورهم الثوري ودور المنظمات العمالية في تغيير الرأسمالية مثل حزب الطبقة العاملة الضروري لهذا التغيير، والمجالس التي ظهرت عشية ثورة أكتوبر والتي أطلق عليها اسم السوفييتات، والنضالات الجماهيرية اليومية التي يخوضها العمال.
ينسف كل ذلك طروحات الجزر الطوباوية في ظل الرأسمالية التي يدعو إليها الكتّاب البريطانيون. ويبدو أن هؤلاء المؤلفين سيغيرون آراءهم في المستقبل بفعل ما يحدث في بريطانيا والعالم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1102