الأحزاب والطبقات في الاتحاد السوفييتي /2/
تايه الجمعة تايه الجمعة

الأحزاب والطبقات في الاتحاد السوفييتي /2/

عشية ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى، حصل حزب البلاشفة على الأغلبية في السوفييتات في أيلول 1917، وكانت الشعارات التي أعلنها البلاشفة قد حصلت على تأييد قطاعات واسعة من الجماهير، وعلى رأسها شعارات: السلطة للسوفييتات، الأرض للفلاحين، السلم الفوري، تأميم البنوك والمصانع الكبرى. وانتصرت ثورة أكتوبر، أول ثورة اشتراكية ظافرة في التاريخ بقيادة حزب البلاشفة ولينين. وكان مرسوم الأرض ومرسوم السلم أول مرسومين للسلطة السوفييتية.

أدت الشعارات الأربعة إلى حصول انزياح الجماهير من الأحزاب الأخرى باتجاه حزب البلاشفة، بل وصارت أحزاب بكاملها جماهيرَ لحزب البلاشفة في نفس المعركة مثل حزب الاشتراكيين الثوريين اليساريين الذي انقسم عن الحزب الاشتراكي الثوري في أيلول 1917 على أساس دعم برنامج البلاشفة. وكانت اللجنة العسكرية الثورية التي تشكلت بقيادة حزب البلاشفة لتفجير الثورة، تضم ممثلي الاشتراكيين الثوريين اليساريين، وجرت الثورة بمشاركتهم، وتحول هذا الحزب إلى حزب فلاحي كبير مؤيد للسلطة السوفييتية. وبالإضافة إليهم، هناك حزب الاشتراكيين الديمقراطيين الأمميين المتحدين بزعامة الأديب الشهير مكسيم غوركي الذين لم يوافقوا على تكتيك البلاشفة ولكنهم لم ينسحبوا من هيئات السلطة السوفييتية، وكان هذان الحزبان من أهم الأحزاب التي أيدت السلطة السوفييتية بقيادة البلاشفة.
أما الجبهة المعادية للثورة، فضمت حزب المناشفة وحزب الكاديت والاشتراكيين الثوريين اليمينيين والماكسيماليين والمناشفة الأمميين وحزب الوحدة، والأحزاب القومية المتطرقة في الأرياف النائية البعيدة والاشتراكيين الشعبيين. حاولت هذه الأحزاب إحداث الثورة المضادة بمساعدة البلدان الرأسمالية واشتعلت الحرب الأهلية سنوات 1918-1920، ودخلت الجيوش الإمبريالية إلى أراضي روسيا السوفييتية من كل الجهات: ألمانيا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا واليابان وغيرهم «21 دولة». ولكن انتهت هذه الأحزاب بهزيمة الثورة المضادة وهزيمة التدخل الإمبريالي وتوطيد السلطة السوفييتية، وفي كانون الأول 1922، تأسس الاتحاد السوفييتي بعد اتحاد عدد من الجمهوريات السوفييتية التي تأسست خلال صراع شديد مع الإمبريالية والرجعية الداخلية.
أخذت الظاهرة الحزبية شكلاً آخر منذ أيلول 1917، وخاصة بعد انتصار حزب البلاشفة وتوسع قاعدته الجماهيرية، فالأحزاب المؤيدة للسلطة السوفييتية كانت موجودة في مجالس السوفييت، أما الأحزاب المعادية للسلطة السوفييتية «أحزاب معادية لدرجة تنفيذ الأعمال الإرهابية والتخريبية»، فبدأت تتسرب إلى حزب البلاشفة وهيئات السلطة السوفييتية، وكانت أقوى الأحزاب التي حاولت تنفيذ انقلاب مضاد للثورة من الداخل هو الحزب التروتسكي الذي تشكل بزعامة الثلاثي: تروتسكي القيادي المنشفي السابق، بالإضافة إلى كامينيف وزينوفيف اللذَين سربا خبر ثورة أكتوبر إلى البرجوازية أثناء الإعداد لها وعارضا الثورة. «تحتوي فصول الجزء الأول من كتاب القائد الأعلى لفلاديمير كاربوف على تفاصيل كثيرة من هذا الصراع الذي تبلور بشكل كبير أثناء إعلان البلاشفة لبرنامج التصنيع الاشتراكي وبناء الصناعة الكبيرة، ومحاولة الحزب التروتسكي منع بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي».
وفي النصف الثاني من العشرينات وبداية الثلاثينات، انضم الحزب الصهيوني وبعده حزب الكولاك «حزب الفلاحين الأغنياء الإرهابي» إلى التروتسكيين. لقد اغتال الكولاك زهاء 25 ألف بلشفي لمنع عمليات التجميع الزراعي ونشر الثورة الاشتراكية في الريف «لودو مارتينيز، ستالين نظرة أخرى، الفصل المتعلق بالتجمع الزراعي».
يقول لودو مارتينيز في الصفحة 322: إن التيارات البرجوازية الأكثر أهمية، والتي توجب على ستالين أن يواجهها بقوة خلال أعوام العشرينات والثلاثينات هي التروتسكية «المنشفية المستترة خلف لغة يسارية متطرفة» والبوخارينية «الانحراف الاشتراكي الديمقراطي» والميول البونابرتية «التوجهات العسكرية داخل الجيش» والقومية البرجوازية. هذه التيارات الأربعة واصلت ممارسة تأثيرها خلال أعوام 1945-1953.
لقد واجه البلاشفة بقيادة ستالين حزبين خطرين أيضاً منذ العشرينات: الحزب الصهيوني العالمي والحزب النازي العالمي «بما فيهم النازيون الروس بقيادة الجنرال فلاسوف والنازيون الأوكرانيون بقيادة ستيبان بانديرا والنازيون القفقاسيون والسيبيريون وغيرهم الذين نشطوا في أعمال التخريب والإرهاب سنوات الثلاثينات وقاتلوا في صفوف هتلر في الأربعينات». وارتبطت الأحزاب السابقة المعادية للاشتراكية مع هذين الحزبين.
وفي سنة 1956، أنجز الحزب الخروشوفي انقلابه على مقررات المؤتمر التاسع عشر للحزب البلشفي 1952 «صار يسمى الحزب الشيوعي السوفييتي». ومن أبرز ما جرى خلال هذه الفترة، اغتيال ستالين عام 1953، والهجوم عليه في المؤتمر العشرين 1956. وتغيير برنامج ستالين حول دور الحزب وبرنامج بناء الاشتراكية. وصولاً إلى الهجوم الواسع لليمين في الاتحاد السوفييتي منذ عام 1985 حتى الانهيار 1991. «للمزيد راجع: أوليغ شينين، الانقلاب المضاد للثورة في الاتحاد السوفييتي ومهام الحركة الشيوعية 2003».
يوجز الملخص أعلاه، أن الظاهرة الحزبية سارت في الاتحاد السوفييتي بطريقة غير تلك التي يصورها الإعلام الرأسمالي بأسلوب كاريكاتوري بعيد عن الواقع. فإطلاق التقييمات والتعميمات السريعة على الظاهرة الحزبية خلال الصراع الطبقي يعيق عملية التفسير الضرورية باتجاه عملية التغيير «في الوقت الراهن، يعني هذا التغيير استبدال الرأسمالية بالاشتراكية، وهذا بالضبط ما يخاف منه الرأسماليون».
ورغم نجاح الإعلام الرأسمالي في خلق التشويش حول ذلك بسبب كثرة الضجيج الإعلامي، إلا أن الظاهرة الحزبية تتطور بالعلاقة مع عاملين أساسيين: 1 – الصراع الطبقي في المجتمع، 2 – صعود أو هبوط الحركة الشعبية. فالصراع الطبقي يستمر بشكل أو بآخر، أما الظاهرة الحزبية، فهي مختلفة في زمن الهبوط عما هي عليه في زمن الصعود.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، كان يتحكم حزب كبير من مالكي الاحتكارات الكبرى بالحزبين الجمهوري والديمقراطي. فإذا ما أخذنا ما يقال على وسائل الإعلام الرأسمالية: هناك تعددية حزبية وحزبان يتبادلان السلطة الأمريكية كل عدة سنوات. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار حزب مالكي الاحتكارات الكبرى: سنقف أمام أمريكا التي يحكمها الحزب الواحد الشمولي، وخلال الأزمات الأخيرة حول العالم، انقسم هذا الحزب إلى حزبين موجودين في السلطة: حزب الفاشيين وحزب العقلانيين «الانقسام والأزمة الأمريكية».
لذلك فإن ظاهرة الحزب الواحد وظاهرة التعددية الحزبية في المجتمعات الطبقية لا تبدو كما هي عليه أيضاً، والأمور أعمق مما يقال في وسائل الإعلام بكثير. وعلى الشعوب إدراك ذلك لأن مصيرها يتعلق بهذه النقطة التي يحاربها الرأسماليون بجهود كبيرة. الرأسماليون منظمون، ولكنهم يحاربون العمل المنظم عند الطبقة العاملة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1100
آخر تعديل على الإثنين, 12 كانون1/ديسمبر 2022 16:32