كرة القدم في ملاعب الفقراء
تايه الجمعة تايه الجمعة

كرة القدم في ملاعب الفقراء

على تراب ملاعب الفقراء، انطلقت كرة القدم في بطولات شعبية بسيطة لم تمتد إليها أيادي الشركات الكبرى وعمالقة الرياضة. من ناحية أخرى، كانت الملاعب ساحات للآراء السياسية، وتبين السطور أدناه، أمثلة عن خطوط العلاقة بين كرة القدم والصراع الطبقي.

الكرة العمالية في بريطانيا

تعتبر بريطانيا مثالاً جيداً لوجود كرة القدم العمالية. حيث كانت مناجم الفحم في بريطانيا مراكز نشيطة للحركة الشيوعية والعمالية، وكانت الأنشطة الاجتماعية والثقافية والرياضية المختلفة تحت تأثير هذا النشاط مثل أبرشية دورهام، وكذلك الفرق العمالية الشعبية لكرة القدم في إسكتلندا وويلز ومناطق المناجم الأخرى.
ومن أشهر فرق كرة القدم العمالية التي نظمها الشيوعيون، كان فريق أشينغتون في نورثمبرلاند وفريق مدينة دورهام. في فترة كانت مخاوف الطبقة الحاكمة كبيرة من اتجاه العمال الإنكليز نحو تجربة السوفييتات.
فعمال المناجم الذين نمت حركتهم منذ عام 1825، وخاضوا الإضرابات الكبيرة ضد الرأسماليين خلال 150 عاماً. لكم تكن ذاكرتهم نقابية عمالية فقط، بل تركوا أثراً كبيراً على الرياضة العمالية الشعبية، وخاصة في عشرينات القرن الماضي في حكاية سياسية واجتماعية ورياضية متشابكة في مناجم الفحم.
وهناك عرفت بعض القرى والبلدات باسم موسكو الصغرى، مثل بلدة شوبويل الحمراء ومناجمها. التي كانت واحدة من أكثر المناجم نشاطاً في الرياضة والسياسة والنقابات في الشمال بأكمله. فاللافتات الحمراء، وصور ماركس وإنجلز ولينين وقادة العمال ملأت دوري الدرجة الثالثة لكرة القدم الذي أسسه الشيوعيون في تلك المجتمعات العمالية شمال بريطانيا. كما ساهم لاعبو فريق نورثمبريان / تينيسايد على ولادة اللعبة على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي.
في سجل الحركة العمالية في تينيسايد، يسجل التاريخ دور الأيرلنديين. كان جيمس كوثبرت لايرد، زعيم نقابة عمال الخياطة، عضواً مؤسساً في مجلس نقابات نيوكاسل وجيتسهيد عام 1873 وظل رئيساً لمدة 20 عاماً لنقابات تمثل نصف مليون عامل. لعب ليرد دوراً رائداً في إضراب خياطي نيوكاسل عام 1854. فالنقابات العمالية كانت تنتشر كالنار في القش في جميع المهن. وقرر عمال المناجم في نورثمبرلاند ودورهام ألا يتعامل أي من أفرادهم أو عائلاتهم مع أية شركة لا توافق على المطالب الأساسية للخياطين. وكانت كرة القدم لعبة شعبية بين هؤلاء العمال وقادة نقابتهم.
وخلال الإضرابات الكبيرة في المناجم سنة 1926، وسنوات 1984-1985، أقامت الفرق العمالية مبارياتها، ونظم الإضراب ولعبة كرة القدم في وقت واحد. كما عرفت إيطاليا وألمانيا رياضة من هذا النوع أيضاً في القرن العشرين، وارتبط نشوء فرق بأكملها مع الطبقة العاملة وأحزابها السياسية ونقاباتها.

الكرة السياسية في البرازيل

لم ينفصل لاعبو كرة القدم عن النضال السياسي والاجتماعي مثل أسطورة الكرة البرازيلية الشهير سقراط. وبصفته قائد الفريق البرازيلي، فقد كان مديناً لمكانته المرموقة ليس فقط لحذائه الكروي اللافت للنظر والطلقات المدوية على أرض الملعب، ولكن أيضاً لدوره في حشد المقاومة ضد الديكتاتورية العسكرية البرازيلية التي أرهبت شعبها منذ عام 1964. ففي الميدان، كان عبقرياً بموهبته ولمساته المتطورة، وخارج الملعب. كان ناشطاً سياسياً، مهتماً بقضايا شعبه وبلده.
اشتهر سقراط بآرائه الصريحة حول كرة القدم ومكانة اللعبة في المجتمع، ظهرت كرة القدم في حياته بالصدفة كما قال. لأنه كان أكثر اهتماماً بالسياسة والظلم الاجتماعي في البلاد. وقال يصف بداية طريقه: تصادف بأنني كنت جيداً في كرة القدم، ومنحني ذلك الدخول إلى بيئة متميزة مختلفة تماماً. فإذا لم يكن لدى الناس القدرة على قول الأشياء، فسأقولها لهم. وبينما كنت لاعب كرة قدم، كانت ساقاي تضخمان صوتي.
كان سقراط يرغب في البداية في ممارسة مهنة الطب، والتي اعتبرها مفيدة بشكل مباشر أكثر للمساعدة في التخفيف من مستويات الفقر وعدم المساواة سيئة السمعة في البلاد. أقنعه والده بأن علاقة حب البرازيل بكرة القدم ستوفر أيضاً منصة لتسليط الضوء على القضايا الاجتماعية والسياسية. بدأ سقراط مسيرته الكروية عام 1978. عندما كان اللاعبون يخضعون لنظام قمعي من الانضباط الجماعي الذي يعكس العقلية الصارمة للمجلس العسكري. وفي عام 1981 جرى تعيين آديسون ألفيس ذي الآراء اليسارية مديراً للنادي الذي يلعب فيه سقراط، وبالإضافة إلى لاعب أسود اسمه فلاديمير، قاد الثلاثة نهجًا جذرياً للنادي واللعبة التي ستُعرف باسم حركة كورينثيانز الديمقراطية. وحاز النادي على شعبية فريدة في قلوب الطبقة العاملة العملاقة في البلاد، والتي منعت النظام العسكري من التدخل في إدارة النادي.
اعتقد سقراط أن عمال الغسيل والتدليك وبواب الملعب يلعبون دوراً مهماً مثل الهجوم وحارس المرمى الاحتياطي. واقترح أن يأخذوا نسبة مئوية من مكافآت الفوز. أصبحت جميع الأمور في كورينثيانز موضوعاً للمناقشات والتصويت والمساءلة. وبدأ نشاطاً ديمقراطياً كان له تأثير شامل على البلد. وفي كل مباراة نهائية. في عام 1982، خرج الفريق إلى أرض الملعب مكتوباً على ظهورهم «أريد التصويت لرئيسي».
سيكون سخيفاً أن نقول إن سقراط كان القوة الدافعة لانتقال البرازيل من الدكتاتورية العسكرية إلى الديمقراطية في منتصف الثمانينيات. لأن الثقة النضالية المتزايدة للطبقة العاملة الضخمة هي العامل الحاسم في تقويض حكم الجنرالات.
كان التقاطع بين كرة القدم والطبقة العاملة مذهلاً في البرازيل، ففي مسيرة عملاقة ضمت مليوني متظاهر 1982. وقف سقراط إلى جانب لولا. وقبل وفاته المفاجئة سنة 2011، كان سقراط يعمل على رواية عن كرة القدم وكأس العالم. وصف فيها الملاعب باهظة الثمن والبعيدة عن متناول الملايين الذين تقطعت بهم السبل في الأحياء الفقيرة للمدن الكبرى.

الكرة الشعبية في سورية

في ذاكرة رياضية لعدة أجيال. عرفت سورية كرة القدم الشعبية، والتي كان دوري الأحياء، أو دوري القرى، تعبيراً حياً لهذا الشكل من الرياضة. فخلال عقود من الزمن، ظهرت في مختلف المناطق السورية فرق شعبية لكرة القدم، عكست سحر ومتعة اللعبة ومكانتها بين الناس. وتوجد عشرات الأمثلة لهذه الفرق في معظم أنحاء سورية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1098