المؤتمر الأول لشعوب الشرق
تايه الجمعة تايه الجمعة

المؤتمر الأول لشعوب الشرق

عقدت الأممية الشيوعية مؤتمرها الثاني في موسكو صيف عام 1920، وكان من ضمن ما قرره المؤتمر حسم الموقف من الاستعمار والمسألة القومية. وأقر حق الشعوب في تقرير مصيرها. ودعا إلى تضامن الطبقة العاملة مع حركة الشعوب المقهورة والمستعمرة للنضال ضد الرأسمالية والإمبريالية.

وفي هذا الإطار، اختارت الأممية الشيوعية أن تعقد أول تظاهرة عالمية ضد الاستعمار في مدينة باكو السوفييتية، والتي جرى اختيارها لعقد المؤتمر الأول لشعوب الشرق لأنها مدينة مفتوحة على الشرق وتتعايش فيها عدة قوميات وأديان كانت تتعرض للاستغلال الإمبريالي لأن باكو كانت غنية بالنفط وتعرضت للنهب على يد الشركات الأجنبية. كما كانت المدينة رمزاً للنضال ضد القيصرية والبرجوازية، ورمزاً لنضال الطبقة العاملة.
لبى الدعوة 1891 مندوباً بينهم 1273 شيوعياً ملتزماً و266 مستقلاً و55 امرأة موزعين بالدرجة الأولى بين الشعوب الإسلامية داخل روسيا السوفييتية وعلى أطرافها. فبين الأتراك 235 مندوباً، والإيرانيين 192 مندوباً والأرمن 157. بالإضافة إلى الجورجيين والأكراد والصينيين والهنود والعرب والأنغوشيون والكاباردينيون والشيشان والآفاريين والكوريين والأوسيتيين والكلميك والقرغيز والطاجيك والبشكير والأوزبك والجورجيين والليتوانيين والروس والأوكرانيين والبولونيين والهنغار وغيرهم من الشعوب المحيطة. كما حضر المؤتمر ممثلو الأحزاب الشيوعية في الغرب. وعلى الرغم من قلة الحضور بين العرب، فقد حضر ثلاثة مندوبين قيل إن الأمير شكيب أرسلان كان أحدهم.
طالب المؤتمر بتحقيق التحالف الأخوي بين بروليتاريا الغرب الثورية وفلاحي وشعوب الشرق المقهورة ضد نظام الاستغلال والقهر العالمي. وكان ذلك الهدف الرئيسي للمؤتمر.
وخلال الكلمات التي ألقيت في المؤتمر، حذر الصحفي الأمريكي الشهير جون ريد صاحب كتاب «عشرة أيام هزت العالم» من الاستعمار الأمريكي الذي يستعد للحلول محل الاستعمار البريطاني. وكان ذلك تحليلاً متقدماً جداً في ذلك الزمن.
وجاء في الدعوة التي وجهتها الأممية الشيوعية إلى ممثلي شعوب الشرق لحضور المؤتمر، والمنشورة في صحيفة البرافدا، صحيفة حزب البلاشفة، بتاريخ 3 أيلول 1920:
يا فلاحي سورية والجزيرة العربية أن الإنكليز والفرنسيين قد وعدوكم بالاستقلال ولكن ها هي جيوشهم تحتل أراضيكم فارضة قوانينها. وها إنكم بعد أن تحررتم من السلطان العثماني وحكومته صرتم عبيداً لحكومات باريس ولندن، والفارق الوحيد بينها وبين السلطان هو أنها سوف تشدد قبضتها عليكم وتنهبكم بفاعلية أكبر.
وفي هذا السياق، جاء في الدعوة حول نضال شعوب الشرق ضد الاستعمار والرأسمالية: لقد عجزوا عن إخضاع سورية. كما وجهت دعوات بالاسم إلى مختلف شعوب الشرق لإشعال النضال ضد الاستعمار والإمبريالية: فليعلن مؤتمرنا إلى أعدائكم في أوروبا وأمريكا أن زمن العبودية قد أنقضى وأنكم عقدتم العزم على الثورة وإنكم لمنتصرون.
عقد المؤتمر الأول لشعوب الشرق في مدينة باكو السوفييتية في قلعة النضال العمالي بين الأول والثامن من أيلول عام 1921. وعلقت في المؤتمر شعارات بلشفية وطبقية بمختلف اللغات. وكتب باللغة العربية الشعار التالي: يا صعاليك جميع العالم اتحدوا «يقصد يا عمال العالم اتحدوا».
جاء في البيان الذي أصدره المؤتمر إلى شعوب الشرق:
يا شعوب الشرق، ماذا قدمت إنكلترا للجزيرة العربية والعراق؟ أعلنت أن ثلاث دول إسلامية مستقلة قد تحولت إلى مستعمرات تابعة لها. وطردت أصحاب الأرض من العرب من أراضيهم حرمتهم من أخصب وديان نهري دجلة والفرات ومن أفضل المراعي الحيوية لمعيشتهم. وسلبت أثمن الموارد النفطية في الموصل والبصرة.
فضح المؤتمر مؤامرات الاستعمار البريطاني في فلسطين، وجاء في البيان كيف طرد الإنكليز السكان العرب من قراهم ومنحوها للمستوطنين اليهود خدمة للصهيونية.
كما طالب المؤتمر شعوب سورية والعراق وفلسطين ومصر والهند والصين وكاشغر وداغستان وآذربيجان وأفغانستان وبلوشستان وإيران واليابان وكوريا وجورجيا وتركيا والهند الصينية والقفقاس الشمالية وبخارى وتركستان إلى النضال بوحدة حديدية ضد الاستعمار وقراصنة الإمبريالية في كل الشرق الإسلامي. وجاء في نهاية البيان:
إن المؤتمر الأول لشعوب الشرق يخاطبكم. عاشت وحدة فلاحي وعمال الشرق والغرب. وحدة جميع المضطهدين والمستغلين. عاشت قيادتها المناضلة الأممية الشيوعية. ليستعر نار نضال شعوب الشرق وكادحي العالم أجمع ضد الاستعمار.
لقد عقد هذا المؤتمر في فترة هب فيه الشرق للنضال ضد الاستعمار، ففي العراق اشتعلت ثورة العشرين، وكانت ثورة الشيخ محمود الحفيد في السليمانية على اتصال مع الحكومة السوفييتية. وفي سورية، معركة ميسلون والعشرات من الثورات الأخرى، وكان الزعيم إبراهيم هنانو يتصل عبر المراسلات مع لينين، والشيخ صالح العلي يتصل عبر المراسلات مع المهاتما غاندي في الهند لتشديد النضال. وفي مصر اشتعلت ثورة 1919. وفي المغرب ثورة عبد الكريم الخطابي. واشتد النضال في الهند والصين. لقد كان الشرق يلتهب ضد الاستعمار من أجل تحرره. ولعبت ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى دوراً كبيراً في دفع هذا النضال إلى الأمام.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1096